وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ طَائِفَةٍ مُدٌّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ: لَا إطْعَامَ فِي ذَلِكَ وَلَا صِيَامَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ احْتِجَاجَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ بِتَرْكِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ خَالَفُوا عَائِشَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِي قَوْلِهَا أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ لِمِسْكِينٍ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ: بِهَذَا، فَإِنْ كَانَ تَرْكُ عَائِشَةَ لِلْخَبَرِ حُجَّةً، فَقَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهَا فِي نِصْفِ صَاعٍ حُجَّةً فَلَيْسَ تَرْكُهَا لِلْخَبَرِ حُجَّةً، فَظَهَرَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَحْتَجُّونَ مِنْ قَوْلِ الصَّاحِبِ بِمَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ فَقَطْ؛ فَإِذَا خَالَفَ مَنْ قَلَّدُوهُ هَانَ عَلَيْهِمْ خِلَافُ الصَّاحِبِ، وَهَذَا دَلِيلُ سَوْءٍ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَنَذْرُ شَهْرٍ: يُطْعَمُ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ وَيَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ نَذْرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: نا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ وَصَوْمُ شَهْرٍ فَقَالَ: يُطْعَمُ عَنْهُ لِرَمَضَانَ وَيُصَامُ عَنْهُ النَّذْرُ، وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ؛ فَإِنْ كَانَ تَرْكُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَا تَرَكَ مِنْ الْخَبَرِ حُجَّةً فَأَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ حُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخْذُهُ بِمَا أَخَذَ بِهِ حُجَّةً فَتَرْكُهُ مَا تَرَكَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَمَا عَدَا هَذَا فَتَلَاعُبٌ بِالدِّينِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثُونِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ رَمَضَانُ: إنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يُطْعَمُ عَنْهُ صَامَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ قَضَى عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صِيَامٍ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَنْهُ بَعْضُ أَوْلِيَائِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْسَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ أَوْجَبَ مَا أَوْجَبَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute