يُوجِبُهُ حُكْمُ خِطَابِهِمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، وَحُكْمُ سَمِّ طَعَامِهِ خَاصَّةً، وَحُكْمُ قَصْدِهِ بِالسِّحْرِ خَاصَّةً، فَهَذَا هُوَ الَّذِي نُسِخَ وَحْدَهُ فَقَطْ وَلَا مَزِيدَ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ تَعْظِيمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوْقِيرُهُ، وَأَنْ لَا يُجْعَلَ دُعَاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَدُعَاءِ بَعْضِنَا بَعْضًا بَاقٍ أَبَدًا - عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - " اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ " كَانَ رِدَّةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّرْهُ وَلَا عَظَّمَهُ كَمَا أُمِرَ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ فَحَبَطَ عَمَلُهُ.
وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَنْ دُونَهُ: اعْدِلْ يَا أَبَا بَكْرٍ لِمَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ النَّكِرَةِ، وَلَا مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَالْيَهُودُ إنْ قَالُوا لَنَا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، أَوْ قَالُوا: الْمَوْتُ عَلَيْكُمْ، لَقُلْنَا لَهُمْ: صَدَقْتُمْ وَلَا خَفَاءَ فِي هَذَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ خَاصَمُونَا فِي حَقٍّ يَدَّعُونَهُ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ عَلَيْنَا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ نَكِرَةٌ، وَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ، وَنَقْضٌ لِلذِّمَّةِ.
وَكَذَلِكَ إذَا سَحَرَنَا سَاحِرٌ مُسْلِمٌ أَوْ كَافِرٌ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ كَادَنَا كَيْدًا لَا يُفْلِحُ مَعَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: ٦٩] وَلَيْسَ بِالْكَيْدِ تَنْتَقِضُ الذِّمَّةُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوا بِهِ الصِّغَارَ، وَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قُصِدَ بِهِ كُفْرٌ وَنَقْضٌ لِلذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ التَّعْظِيمِ الْمُفْتَرَضِ لَهُ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ سَمُّ الطَّعَامِ لَنَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا إفْسَادُ مَالٍ مِنْ أَمْوَالِنَا إنْ كَانَ لَنَا، أَوْ كَيْدٌ مِنْ فَاعِلِهِ إنْ كَانَ الطَّعَامُ لَهُ، وَلَيْسَ بِإِفْسَادِ الْمَالِ وَالْكَيْدِ تَنْتَقِضُ الذِّمَّةُ وَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا مَنْ عَامَلَ بِذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً، فَهُوَ كُفْرٌ وَنَقْضٌ لِلذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ التَّعْظِيمِ الْمُفْتَرَضِ لَهُ عَلَيْنَا وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ جِنِّهَا وَإِنْسِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَمْ يُسَلِّمْ لِحُكْمٍ حَكَمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَنْ دُونَهُ فَاجْتِهَادُهُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَلَا إجْمَاعَ، وَلَا رِضًى بِذَلِكَ الْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ وَلَا إثْمٌ، وَلَوْ أَنَّهُمَا لَمْ يُسَلِّمَا لِحُكْمٍ حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ ذَلِكَ كُفْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَإِخْرَاجًا لَهُمْ عَنْ الْإِيمَانِ، وَلَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلذِّمَّةِ مِنْ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الصَّغَارِ، وَطَعْنٌ فِي الدِّينِ، وَهَذَا بَيِّنٌ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute