للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا: أَنَّ الْقَوَدَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، إذْ يَقُولُ {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: ١٩٤] فَإِذَا تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ بِمَوْتٍ، أَوْ بِعَدَمِ الْعُضْوِ، أَوْ بِامْتِنَاعٍ، أَوْ بِفِرَارٍ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ دِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ وَاجِبَةٌ لِمَنْ أَرَادَهَا، مَكَانَ قِصَاصِهِ الْفَائِتِ، لِأَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَهَا لَهُ - وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ دِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ لَا يُوجِبُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ.

فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ - كَمَا ذَكَرْنَا - فَإِحْدَى فُتْيَا رَبِيعَةَ صَوَابٌ، وَالْأُخْرَى خَطَأٌ فَأَمَّا الصَّوَابُ - فَفُتْيَاهُ فِي الَّذِي فَقَأَ عَيْنَ آخَرَ فَوَثَبَ ابْنُ عَمِّ الْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ فَقَتَلَ الْفَاقِئَ: أَنَّ عَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدَ [وَلَا شَيْءَ لِلْمَفْقُوءَةِ عَيْنُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْقَوَدُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ الْقَوَدِ] .

وَأَمَّا الْخَطَأُ - فَقَوْلُهُ فِي أَعْمَى فَقَأَ عَيْنَ صَحِيحٍ، أَوْ عَيْنَيْهِ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ؟ وَذَلِكَ: أَنَّهُ أَوْجَبَ دِيَةً لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا نَصٌّ صَحِيحٌ، وَمَنَعَ الْقَوَدَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَصِّ الْقُرْآنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ جَنَى عَلَى عَيْنٍ ثُمَّ فُقِئَتْ]

٢٠٣١ - مَسْأَلَةٌ: جَنَى عَلَى عَيْنٍ ثُمَّ فُقِئَتْ؟ قَالَ عَلِيٌّ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّ مَسْرُوقًا، وَشُرَيْحًا، وَالشَّعْبِيَّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ قَالُوا فِي رَجُلٍ فُقِئَتْ عَيْنُهُ، وَقَدْ كَانَ ذَهَبَ مِنْهَا شَيْءٌ: إنَّهُ يُلْقَى عَنْهُ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْهَا.

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا لَيْسَ فِيهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ، لِأَنَّهَا عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، وَلَوْ صَحَّتْ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ الْأَمْوَالَ مُحَرَّمَةٌ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ، فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا خَطَأً فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَالْقَوَدُ مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ أَمْكَنَ ذَهَابُ شَيْءٍ مِنْ قُوَّةِ الْبَصَرِ كَمَا ذَهَبَ هُوَ أُنْفِذَ ذَلِكَ بُدُوءًا، أَوْ بِمَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>