زَنَا بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيُقْتَلُ -» فَوَاَللَّهِ مَا زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ قَطُّ، وَلَا أَحْبَبْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلًا مُذْ هَدَانِي اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا ".
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا خَرَجَ دَمُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ بِنَفْسِ قَتْلِهِ مَنْ قَتَلَ، فَإِذْ صَحَّ هَذَا فَالْقَاتِلُ مُتَيَقَّنٌ تَحْلِيلُ دَمِهِ وَالدَّاعِي إلَى أَخْذِ الْقَوَدِ دَاعٍ إلَى مَا قَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ وَذَلِكَ لَهُ، وَالْعَافِي مُرِيدٌ تَحْرِيمَ دَمٍ قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ بِيَقِينٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إلَّا بِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ، وَمُرِيدُ أَخْذَ الدِّيَةِ دُونَ مَنْ مَعَهُ مُرِيدٌ إبَاحَةَ أَخْذِ مَالٍ، وَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِإِبَاحَةِ دَمِ الْقَاتِلِ، كَمَا قُلْنَا بِيَقِينِ قَتْلِهِ، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِبَاحَةِ الدِّيَةِ إلَّا بِأَخْذِ " الْأَهْلِ " لَهَا، وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي إجْمَاعَهُمْ عَلَى أَخْذِهَا فَالدِّيَةُ مَا لَمْ يُجْمِعْ " الْأَهْلُ " عَلَى أَخْذِهَا، إذْ لَمْ يُبِحْهَا نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ - فَبَطَلَ بِيَقِينٍ.
وَصَحَّ أَنَّ مَنْ دَعَا إلَى الْقَوَدِ فَهُوَ لَهُ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْبَنَاتِ مَعَ الْعَصَبَةِ، إلَّا أَنَّهُ نَاقَضَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَفِي بَعْضِ الْبَنِينَ مَعَ بَعْضٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَهْلِ وَهُمْ الَّذِينَ يُعْرَفُ الْمَقْتُولُ بِالِانْتِمَاءِ إلَيْهِمْ، كَمَا كَانَ يُعْرَفُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بِالِانْتِمَاءِ إلَى بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُقْسِمَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الْقَوَدَ أَوْ الدِّيَةَ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ الْقَوَدَ سَوَاءٌ كَانَ وَلَدًا أَوْ ابْنَ عَمٍّ [أَوْ ابْنَةً] أَوْ أُخْتًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أُمٍّ، أَوْ زَوْجٍ، أَوْ زَوْجَةٍ، أَوْ بِنْتِ عَمٍّ، أَوْ عَمَّةٍ - فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى عَفْوِ مَنْ عَفَا مِمَّنْ هُوَ أَقْرَبُ، أَوْ أَبْعَدُ، أَوْ أَكْثَرُ فِي الْعَدَدِ لِمَا ذَكَرْنَا.
فَإِنْ اتَّفَقَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ عَلَى الْعَفْوِ فَلَهُمْ الدِّيَةُ حِينَئِذٍ وَيُحَرَّمُ الدَّمُ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْعَفْوَ عَنْ الدِّيَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً، إذْ هُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ مَقْتُولٌ كَانَ فِي أَوْلِيَائِهِ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ]
٢٠٨٦ - مَسْأَلَةٌ: مَقْتُولٌ كَانَ فِي أَوْلِيَائِهِ غَائِبٌ، أَوْ صَغِيرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ بَنُونَ وَفِيهِمْ وَاحِدٌ كَبِيرٌ وَغَيْرُهُمْ صِغَارٌ: إنَّ لِلْوَاحِدِ الْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ، وَلَا يَنْتَظِرَ بُلُوغَ الصِّغَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute