للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَائِبٌ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يَقْتُلُوا حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - وَبِهِ يَقُولُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ.

وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَ ذَلِكَ، سَوَاءٌ سَوَاءٌ - وَزَادَ أَنَّ الْمَقْتُولَ إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ صَغِيرٌ، وَأَخٌ كَبِيرٌ، أَوْ أُخْتٌ كَبِيرَةٌ، فَلِلْأَخِ، أَوْ لِلْأُخْتِ أَنْ يَقْتُلَا قَوَدًا، وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ، وَكَذَلِكَ لِلْعَصَبَةِ أَيْضًا - وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.

وَرَأَى مَالِكٌ: لِلْعَصَبَةِ - إذْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا - أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الدِّيَةِ، وَيَنْفُذَ حُكْمُهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَسْتَقِيدُ الْكَبِيرُ مِنْ الْبَنِينَ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ - وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّغِيرِ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتَّبِعَهُ: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ التَّنَاقُضِ إذْ فَرَّقَ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمْ فِي هَذَا: أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ، وَالصَّغِيرُ يُوَلَّى عَلَيْهِ.

قَالُوا: وَكَمَا كَانَ أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ يُزَوِّجُ إذَا كَانَ هُنَالِكَ صَغِيرٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، فَكَذَلِكَ يَقْتُلُ - وَقَالُوا: قَدْ قَتَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ قَاتِلَ عَلِيٍّ، وَلِعَلِيٍّ بَنُونَ صِغَارٌ وَهُمْ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - دُونَ مُخَالِفٍ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ.

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِفِعْلِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَهُوَ لَازِمٌ لِلشَّافِعِيِّينَ، وَلِمَنْ وَافَقَ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ: أَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، لِأَنَّهُمْ مِثْلُ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَئِنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا إجْمَاعًا فَلَقَدْ شَهِدَ الْحَنَفِيُّونَ عَلَى شَيْخِهِمْ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ، فَإِنْ كَفَّرُوهُمَا بِهَذَا، أَوْ بَدَّعُوهُمَا فَمَا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُ دِيَتِهِمْ عَنْ كَافِرٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>