للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا عَنْ مُبْتَدِعٍ - وَإِنْ عَذَرُوهُمَا فِي ذَلِكَ - فَلَنَا مِنْ الْعُذْرِ مَا لِيَعْقُوبَ، وَمُحَمَّدٍ - وَقَدْ بَطَلَ تَشْنِيعُهُمْ فِي الْأَبَدِ بِمِثْلِ هَذَا، وَهَذَا وَاضِحٌ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ مِنْ اعْتِرَاضِ الشَّافِعِيِّينَ أَنْ قَالُوا: إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ إمَامًا فَنَظَرَ فِي ذَلِكَ بِحَقِّ الْإِمَامَةِ، أَوْ قَتَلَهُ بِالْمُحَارَبَةِ لَا قَوَدًا - وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ لَمْ يُحَارِبْ، وَلَا أَخَافَ السَّبِيلَ.

وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ - عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ - وَلَا لِلْوَصِيِّ، أَنْ يَأْخُذَ الْقَوَدَ لِصَغِيرٍ حَتَّى يَبْلُغَ - فَبَطَلَ تَشْنِيعُهُمْ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَائِدَةٌ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ بِمِثْلِ مَا شَغَبُوا بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، لِأَنَّهُمْ وَالْمَالِكِيُّونَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ آخَرَ عَلَى تَأْوِيلٍ فَلَا قَوَدَ فِي ذَلِكَ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ لَمْ يَقْتُلْ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا مُتَأَوِّلًا مُجْتَهِدًا مُقَدِّرًا أَنَّهُ عَلَى صَوَابٍ.

وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ شَاعِرُ الصِّفْرِيَّةِ:

يَا ضَرْبَةً مِنْ تَقِيٍّ مَا أَرَادَ بِهَا ... إلَّا لِيَبْلُغَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ رِضْوَانًا

إنِّي لَأَذْكُرُهُ حِينًا فَأَحْسَبُهُ ... أَوْفَى الْبَرِّيَّةِ عِنْدَ اللَّهِ مِيزَانًا

أَيْ لَا أُفَكِّرُ فِيهِ ثُمَّ أَحْسَبُهُ - فَقَدْ حَصَلَ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ خِلَافِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى مِثْلِ مَا شَغَبُوا بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ، وَمَا يَنْقُلُونَ أَبَدًا مِنْ رُجُوعِ سِهَامِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ الْوُقُوعِ فِيمَا حَفَرُوهُ.

فَظَهَرَ تَنَاقُضُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الصَّغِيرَ يُوَلَّى عَلَيْهِ، وَالْغَائِبَ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ، فَلَا شُبْهَةَ [لَهُمْ] فِي هَذَا، لِأَنَّ الْغَائِبَ يُوَكَّلُ لَهُ أَيْضًا كَمَا يُوَلَّى عَلَى الصَّغِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>