خُفَّيْهِ وَعِمَامَتَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ تَقَصَّصَ وَقَطَعَ أَظْفَارَهُ: قَالَ قَوْمٌ: قَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَلْقَ وَقَصَّ الشَّعْرِ وَقَصَّ الْأَظْفَارِ وَخَلْعَ الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ حَدَثًا، وَالطَّهَارَةُ لَا يَنْقُضُهَا إلَّا الْأَحْدَاثُ، أَوْ نَصٌّ وَارِدٌ بِانْتِقَاضِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَدَثٌ وَلَا نَصٌّ هَهُنَا عَلَى انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ وَلَا عَلَى انْتِقَاضِ بَعْضِهَا فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ، وَصَحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَأَنَّهُ يُصَلِّي مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَلَا أَظْفَارِهِ وَلَا غَسْلُ رِجْلَيْهِ وَلَا إعَادَةُ وُضُوئِهِ، وَكَانَ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ كَمَنْ أَوْجَبَهُ مِنْ الْمَشْيِ أَوْ مِنْ الْكَلَامِ أَوْ مِنْ خَلْعِ قَمِيصِهِ وَلَا فَرْقَ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ تَعَمَّدَ لِبَاسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا]
٢٢٠ - مَسْأَلَةٌ:
وَمَنْ تَعَمَّدَ لِبَاسَ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا أَوْ خَضَبَ رِجْلَيْهِ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِمَا دَوَاءً ثُمَّ لَبِسَهُمَا لِيَمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ.
أَوْ خَضَبَ رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً ثُمَّ لَبِسَ الْعِمَامَةَ أَوْ الْخِمَارَ لِيَمْسَحَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ أَحْسَنَ.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ الْمَسْحِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ مُطْلَقًا. وَلَمْ يَحْظُرْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ نَصٌّ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْهِ لِيَبِيتَ فِيهَا لِيَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ.
وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ وَتَخْصِيصٌ لِلسُّنَّةِ بِلَا دَلِيلٍ.
وَكُلُّ قَوْلٍ لَمْ يُصَحِّحْهُ النَّصُّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِمَا]
٢٢١ - مَسْأَلَةٌ:
وَمَنْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ - قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَائِهِمَا - مَسَحَ أَيْضًا حَتَّى يَتِمَّ لِمَسْحِهِ فِي كُلِّ مَا مَسَحَ فِي حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ مَعًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا.
ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِنْ مَسَحَ فِي سَفَرٍ ثُمَّ أَقَامَ أَوْ دَخَلَ مَوْضِعَهُ ابْتَدَأَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ كَانَ قَدْ مَسَحَ فِي السَّفَرِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ فَأَقَلَّ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِنْ كَانَ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ مَسَحَ بَاقِيَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَلَيْلَتِهِ فَقَطْ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا خَلَعَ وَلَا بُدَّ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبِحْ الْمَسْحَ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ بِلَيَالِيِهَا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْسَحَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، لَا مُقِيمًا وَلَا مُسَافِرًا، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ابْتِدَاءِ الْمَسْحِ - لَا عَنْ الصَّلَاةِ بِالْمَسْحِ الْمُتَقَدِّمِ - فَوَجَبَ مَا قُلْنَا، فَلَوْ مَسَحَ فِي الْحَضَرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي السَّفَرِ