الْأَصَابِعُ لَا الْأَظَافِرُ، فَلَمَّا جُزَّ الشَّعْرُ وَقُطِعَتْ الْأَظْفَارُ بَقِيَ الْوُضُوءُ بِحَسَبِهِ، وَأَمَّا الْمَسْحُ فَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ الْخُفَّانِ لَا الرِّجْلَانِ، فَلَمَّا نُزِعَا بَقِيَتْ الرِّجْلَانِ لَمْ تُوَضَّآ، فَهُوَ يُصَلِّي بِرِجْلَيْنِ لَا مَغْسُولَتَيْنِ وَلَا مَمْسُوحٍ عَلَيْهِمَا فَهُوَ نَاقِصُ الْوُضُوءِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا شَيْءَ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَتَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ، فَلَوْ عُكِسَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَقِيلَ لَهُ: بَلْ الْمَسْحُ عَلَى الرَّأْسِ وَغَسْلُ الْأَظْفَارِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ الشَّعْرُ وَالْأَظْفَارُ فَقَطْ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الشَّعْرِ حِنَّاءٌ وَعَلَى الْأَظْفَارِ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ، وَأَمَّا الْخُفَّانِ فَالْمَقْصُودُ بِالْمَسْحِ الْقَدَمَانِ لَا الْخُفَّانِ، لِأَنَّ الْخُفَّيْنِ لَوْلَا الْقَدَمَانِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا فَصَحَّ أَنَّ حُكْمَ الْقَدَمَيْنِ الْغَسْلُ، إنْ كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ، وَالْمَسْحُ إنْ كَانَتَا فِي خُفَّيْنِ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَرْقٌ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمَسْحِ الْخُفَّانِ، وَبِالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ الرَّأْسُ، وَبِغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْأَصَابِعِ لَا لِلْأَظْفَارِ.
فَكَانَ مَاذَا؟ أَوْ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ مِنْ هَذَا أَنْ يُعَادَ الْمَسْحُ بِخَلْعِ الْخُفَّيْنِ وَلَا يُعَادَ بِحَلْقِ الشَّعْرِ؟
قَالَ عَلِيٌّ: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ يُصَلِّي بِقَدَمَيْنِ لَا مَغْسُولَتَيْنِ وَلَا مَمْسُوحٍ عَلَيْهِمَا - فَبَاطِلٌ، بَلْ مَا يُصَلِّي - إلَّا عَلَى قَدَمَيْنِ مَمْسُوحٍ عَلَى خُفَّيْنِ عَلَيْهِمَا.
قَالَ عَلِيٌّ: فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فَقَطْ، فَهُوَ بَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بِإِقْرَارِهِمْ قَدْ تَمَّ وُضُوءُهُ وَجَازَتْ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ ثُمَّ أَمَرْتُمُوهُ بِغَسْلِ رِجْلَيْهِ فَقَطْ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ الَّذِي قَدْ كَانَ تَمَّ قَدْ بَطَلَ أَوْ يَكُونَ لَمْ يَبْطُلْ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْطُلْ فَهَذَا قَوْلُنَا وَإِنْ كَانَ قَدْ بَطَلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الْوُضُوءَ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَا يُخَيَّلُ أَنْ يَكُونَ وُضُوءٌ قَدْ تَمَّ ثُمَّ يُنْقَضُ بَعْضُهُ وَلَا يُنْقَضُ بَعْضُهُ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُوجِبُهُ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ يَصِحُّ.
فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُنَا أَوْ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ.
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْبُرْهَانَ قَدْ صَحَّ بِنَصِّ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ تَمَّ وُضُوءُهُ وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَجَازَتْ لَهُ الصَّلَاةُ.
وَأَجْمَعَ هَؤُلَاءِ الْمُخَالِفُونَ لَنَا عَلَى ذَلِكَ فِيمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ وَخُفَّيْهِ ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا خَلَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute