فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الْأَدَبُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ» ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] .
فَإِذَا عَجَزْنَا عَنْ الْمِثْلِ الْأَخَصِّ لَزِمَنَا أَنْ نَأْتِيَ بِأَقْصَى مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّمَاثُلِ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْأَدَبُ وَالسِّجْنُ سَيِّئَةٌ، فَهُمَا جَزَاءُ سَيِّئَةٍ أُخْرَى عَجَزْنَا عَنْ مِثْلِهَا مِنْ نَوْعِهَا الْأَدْنَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ شَجَّ إنْسَانًا فَذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ كَانَ أَعْمَى]
٢٠٣٢ - مَسْأَلَةٌ: شَجَّ إنْسَانًا فَذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ: كَانَ أَعْمَى؟ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ النِّيلِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ - مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الشَّجَّةِ - فَقَالَ الْحَكَمُ: إنْ شَهِدُوا أَنَّهَا ذَهَبَتْ مِنْ الضَّرْبَةِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ حَمَّادٌ: إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ - يَوْمَ ضَرَبَهُ - وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَهُوَ جَائِزٌ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَذْهَبَ عَيْنُهُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الشَّجَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْحَكَمُ إنَّهَا ذَهَبَتْ مِنْ تِلْكَ الشَّجَّةِ، فَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ - وَكَانَ عَمْدًا - فَالْقَوَدُ فِي ذَلِكَ مِنْ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَمِنْ الْعَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إذْهَابِ عَيْنِهِ، وَمِنْ شَجِّهِ كَمَا شَجَّ.
قَالَ عَلِيٌّ: بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَهَذَا اعْتِدَاءٌ مِنْهُ بِفِعْلَيْنِ: شَجِّهِ، وَإِذْهَابِ عَيْنِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوَدَيْنِ كِلَيْهِمَا.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَقِيدُ، فَقِيلَ لَهُ: حَتَّى تَبْرَأَ، فَأَبَى وَعَجَّلَ، فَاسْتَقَادَ فَعَنِتَتْ رِجْلُهُ وَبَرِئَتْ رِجْلُ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: لَيْسَ لَكَ شَيْءٌ، قَدْ أَبَيْتَ» ؟ قُلْنَا: هَذَا الْخَبَرُ هُوَ حُجَّتُنَا وَعُمْدَتُنَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute