للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَمْرِ، فَإِذَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ، بِنَصِّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ ذِكْرِ مَكَان، أَوْ زَمَانٍ، أَوْ صِفَةِ الْخَمْرِ، أَوْ صِفَةِ الْإِنَاءِ - إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِذَلِكَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُرَاعَاةُ ذَلِكَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ: كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا سَحْنُونٌ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا السَّرِيُّ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَالَ: شَهِدَ الْجَارُودُ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ - وَكَانَ عُمَرُ قَدْ أَمَّرَ قُدَامَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ - فَقَالَ عُمَرُ لِلْجَارُودِ: مَنْ يَشْهَدُ مَعَك؟ قَالَ: عَلْقَمَةُ الْخَصِيُّ؟ فَدَعَا عَلْقَمَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بِمَ تَشْهَدُ؟ فَقَالَ عَلْقَمَةُ: وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْخَصِيِّ؟ قَالَ عُمَرُ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ مُسْلِمًا، قَالَ عَلْقَمَةُ: رَأَيْته يَقِيءُ الْخَمْرَ فِي طَسْتٍ، قَالَ عُمَرُ: فَلَا وَرَبِّك مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا: فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ، فَهَذَا حُكْمٌ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بِشَهَادَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ رَآهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَالْأُخْرَى: أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَشْرَبُهَا، لَكِنْ رَآهُ يَتَقَيَّؤُهَا - وَعَهِدْنَاهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَالْجَارُودَ، وَجَمِيعَ مَنْ بِحَضْرَتِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، فَلَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

[مَسْأَلَة الأقرار بالحد]

٢١٨١ - مَسْأَلَةٌ: الْإِقْرَارُ بِالْحَدِّ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْإِقْرَارُ أَمْ الِاسْتِتَارُ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتَّبِعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى -: فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْمُخْتَارَةُ لِلسَّتْرِ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ السَّتْرَ مُبَاحٌ، وَأَنَّ الِاعْتِرَافَ مُبَاحٌ، إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْمُعْتَرِفَ بِمَا عَمِلَ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ: عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي اعْتِرَافِهِ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَطُّ: إنَّ السَّاتِرَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَصَابَ مِنْ حَدٍّ: عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى: فَنَظَرْنَا فِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهَا كُلَّهَا لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>