للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا فُحْشَ هَذَا آنِفًا. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَبْلَ إجْمَاعِهِمْ قُلْنَا: فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَهُ وَلَا يُعْرَفُ تَحْرِيمُهُ إيَّاهُ إلَّا بِتَفْصِيلٍ مِنْهُ تَعَالَى بِتَحْرِيمِهِ وَالتَّفْصِيلُ لَا يَكُونُ أَلْبَتَّةَ إلَّا بِنَصٍّ وَهَذَا قَوْلُنَا وَإِلَّا فَهُوَ دَعْوَى كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَكَهُّنٌ. وَقَوْلٌ فِي الدِّينِ بِالظَّنِّ فَظَهَرَ يَقِينُ مَا قُلْنَاهُ وَفَسَادُ قَوْلِهِمْ وَصَحَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي تَحْرِيمِهِ كَمَا لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَحْرِيمِ لَحْمِهِ إلَّا بَعْدَ وُرُودِ النَّصِّ بِتَحْرِيمِهِ وَلَا فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ الْجَرَادِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[مَسْأَلَة أَكْلُ مَا يَسْكُنُ جَوْفَ الْمَاءِ وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ]

٩٩٠ - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَا يَسْكُنُ جَوْفَ الْمَاءِ وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ كُلُّهُ كَيْفَمَا وُجِدَ، سَوَاءٌ أُخِذَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَ فِي الْمَاءِ، طَفَا أَوْ لَمْ يَطْفُ، أَوْ قَتَلَهُ حَيَوَانٌ بَحْرِيٌّ أَوْ بَرِّيٌّ هُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ أَكْلُهُ. وَسَوَاءٌ خِنْزِيرُ الْمَاءِ، أَوْ إنْسَانُ الْمَاءِ، أَوْ كَلْبُ الْمَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ أَكْلُهُ: قَتَلَ كُلَّ ذَلِكَ وَثَنِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ أَحَدٌ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: ١٢] وَقَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: ٩٦] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] فَخَالَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا كُلَّهُ وَقَالُوا: يَحِلُّ أَكْلُ مَا مَاتَ مِنْ السَّمَكِ وَمَا جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ مَا لَمْ يَطْفُ عَلَى الْمَاءِ مِمَّا مَاتَ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ خَاصَّةً، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا طَفَا مِنْهُ عَلَى الْمَاءِ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا فِي الْمَاءِ إلَّا السَّمَكُ وَحْدَهُ، وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ خِنْزِيرِ الْمَاءِ وَلَا إنْسَانِ الْمَاءِ، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ جُمْلَةً وَالْإِنْسَانِ وَهَذَا خِنْزِيرٌ وَإِنْسَانٌ، قَالُوا: فَإِنْ ضَرَبَهُ حُوتٌ فَقَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَهُ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَتْهُ صَخْرَةٌ فَقَتَلَتْهُ أَوْ صَادَهُ وَثَنِيٌّ فَقَتَلَهُ فَطَفَا بَعْدَ كُلِّ هَذَا فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي سَمَكَةٍ مَيِّتَةٍ بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ وَبَعْضُهَا فِي الْمَاءِ: إنْ كَانَ الرَّأْسُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمَاءِ أُكِلَتْ وَإِنْ كَانَ الرَّأْسُ فِي الْمَاءِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْبَرِّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا النِّصْفَ فَأَقَلَّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْبَرِّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ حَلَّ أَكْلُهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذِهِ أَقْوَالٌ لَا تُعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُمْ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ وَلِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلِلْقِيَاسِ وَلِلْمَعْقُولِ لِأَنَّهَا تَكْلِيفٌ مَا لَا يُطَاقُ مِمَّا لَا سَبِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>