وَلَيْسَ نَخْلًا، وَاللَّحْمُ تَوَلَّدَ مِنْ الدَّمِ، وَاللَّبَنُ تَوَلَّدَ مِنْ الدَّمِ وَلَيْسَ اللَّحْمُ دَمًا وَلَا اللَّبَنُ دَمًا بَلْ هُمَا حَلَالَانِ، وَالدَّمُ حَرَامٌ وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ شَيْءٍ فَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ لَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الدِّيَانَةِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّحْمَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّحْمَ بِتَحْرِيمِ الشَّحْمِ. نَعَمْ وَلَا حَرَّمَ شَحْمَ الظَّهْرِ وَلَا شَحْمَ الصَّدْرِ وَلَا شَحْمَ الْحَوَايَا لِتَحْرِيمِ شَحْمِ الْبَطْنِ، وَلَا يَدْرِي ذُو عَقْلٍ مِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا حُرِّمَ اللَّحْمُ أَنْ يُحَرِّمَ الشَّحْمَ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا فَرْقَ مَا بَيْنَهُمَا آنِفًا.
وَالرَّابِعُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَتَرَوْنَ سَفَّ عَظْمِهِ وَأَكْلَ غُضْرُوفِهِ وَشُرْبَ لَبَنِهِ حُرِّمَ قِيَاسًا عَلَى لَحْمِهِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ جِدًّا وَكُلُّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ أَنْوَاعٌ غَيْرُ اللَّحْمِ بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا أَخْبِرُونَا أَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى شَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَغُضْرُوفَهُ وَعَظْمَهُ وَشَعْرَهُ وَلَبَنَهُ؟ أَمْ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ قَالُوا: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ ذَلِكَ قُلْنَا لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ تَحْرِيمُ اللَّهِ تَعَالَى مَا حَرَّمَ إلَّا بِتَفْصِيلِهِ تَحْرِيمَهُ وَبِوَحْيِهِ بِذَلِكَ إلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهَلْ يَكُونُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ أَمْرَ كَذَا بِغَيْرِ وَحْيٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ إلَّا مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَاذِبًا عَلَيْهِ جِهَارًا؟ إذْ أَخْبَرَ عَنْهُ تَعَالَى بِمَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ وَحْيًا وَلَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] .
فَإِنْ قَالُوا: حَرُمَ كُلُّ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِهِ اللَّحْمَ قُلْنَا: وَهَذِهِ دَعْوَى مُكَرَّرَةٌ كَاذِبَةٌ مُفْتَرَاةٌ بِلَا دَلِيلٍ عَلَى صِحَّتِهَا، وَعَنْ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْكَاذِبَةِ سَأَلْنَاكُمْ فَلَمْ نَجِدْ عِنْدَكُمْ زِيَادَةً عَلَى تَكْرِيرِهَا فَقَطْ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ. فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يُحَرِّمْهَا اللَّهُ تَعَالَى بِوَحْيٍ مِنْ عِنْدِهِ وَلَا حَرَّمَهَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِنَصٍّ مِنْهُ لَكِنْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُمْ: هَذِهِ أَطَمُّ وَأَفْحَشُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يُقِرُّونَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَا شَكٍّ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُخَالَفَةِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الْكَفَرَةِ الصَّلْعَاءِ، فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حِينَئِذٍ قُلْنَا لَهُمْ: مَتَى حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؟ أَقَبْلَ إجْمَاعِهِمْ أَمْ مَعَ إجْمَاعِهِمْ أَمْ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ رَابِعٍ. فَإِنْ قَالُوا: بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ جَعَلُوا حُكْمَهُ تَعَالَى تَبَعًا لِحُكْمِ عِبَادِهِ وَهَذَا كُفْرٌ مَحْضٌ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ مَعَ إجْمَاعِهِمْ كَانُوا قَدْ أَوْجَبُوا أَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا مُخَالَفَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute