أَرَادَ أَنْ يُكَاتَبَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِجَابَتِهِ إلَى الْكِتَابَةِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُكَاتَبَةَ مُجْمَلَةً بَيْنَ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، وَقَالَ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] فَوَجَبَ أَنْ لَا يُكَلِّفَ الْعَبْدَ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُكَلِّفَ السَّيِّدَ إضَاعَةَ مَالِهِ. وَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ: أَنَّ اللَّازِمَ لَهُمَا مَا أَطَاقَهُ الْعَبْدُ بِلَا حَرَجٍ، وَمَا لَا غَبْنَ فِيهِ عَلَى السَّيِّدِ، وَلَا إضَاعَةَ لِمَالِهِ وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ لِلسَّيِّدِ تَكْلِيفَ عَبْدِهِ الْخَرَاجَ وَإِجْبَارَهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مُجِيزًا أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُطِيقُ، وَلَا إجَابَةُ الْعَبْدِ إلَى أَدَاءِ مَا لَا يَرْضَى السَّيِّدُ بِهِ مِمَّا هُوَ قَادِرٌ بِلَا مَشَقَّةٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْكِتَابَةِ بِعَيْنِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَذْكُرْ صَدَاقًا، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَتُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ، وَلَا تُعْطَى بِرَأْيِهَا، وَلَا يُعْطِي هُوَ بِرَأْيِهِ. وَقَدْ رَأَى الْحَنَفِيُّونَ الِاسْتِسْعَاءَ وَالْقَضَاءَ بِهِ وَاجِبًا، فَهَلَّا عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَقَالُوا: إنْ قَالَ الْعَبْدُ: لَا أُؤَدِّي إلَّا دِرْهَمًا فِي سِتِّينَ سَنَةٍ، وَقَالَ الْمُسْتَسْعَى لَهُ: لَا تُؤَدِّي إلَّا مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ مِنْ يَوْمِهِ.
وَقَدْ أَوْجَبَ الْمَالِكِيُّونَ الْخَرَاجَ عَلَى الْأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ فَرْضًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنُوا مَا هُوَ وَلَا مِقْدَارَهُ. وَكَمْ قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا الشَّافِعِيُّونَ بِإِيجَابِ فَرْضٍ حَيْثُ لَا يَحُدُّونَ مِقْدَارَهُ، كَقَوْلِهِمْ: الصَّلَاةُ تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ، وَلَا تَبْطُلُ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ، فَهَذَا فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ. وَأَوْجَبُوا الْمُتْعَةَ فَرْضًا ثُمَّ لَمْ يَحُدُّوا فِيهَا حَدًّا، وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة مَا تَجُوز عَلَيْهِ الْكِتَابَة]
١٦٨٧ - مَسْأَلَةٌ: وَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ عَلَى مَالٍ جَائِزٍ تَمَلُّكُهُ، وَعَلَى عَمَلٍ فِيهِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، لَكِنْ حَالًّا أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَعَلَى نَجْمٍ وَنَجْمَيْنِ وَأَكْثَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute