[صِفَةُ الْقَتْلِ فِي الْمُحَارِبِ]
ِ ٢٢٦٥ - مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا خِلَافَ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ الْوَاجِبَ فِي الْمُحَارِبِ إنَّمَا هُوَ ضَرْبُ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ فَقَطْ، وَأَمَّا قَطْعُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ} [المائدة: ٣٣] . فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ يَدَيْهِ وَرِجْلِهِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، وَهَذَا أَيْضًا إجْمَاعٌ لَا شَكَّ فِيهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: يُقْطَعُ يَمِينُ يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ يُحْسَمُ بِالنَّارِ وَلَا بُدَّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْحَسْمُ فَوَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُحْسَمُ مَاتَ، وَهَذَا قَتْلٌ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يُجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ مَعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ بِلَفْظِ " أَوْ " وَهُوَ يَقْتَضِي التَّخْيِيرُ وَلَا بُدَّ.
وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى جَمْعَ ذَلِكَ لَقَالَ: أَنْ يُقَتَّلُوا وَيُصَلَّبُوا وَتُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ.
وَهَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩] .
وقَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ قَالَتْ: جَالِسْ الْحَسَنَ، أَوْ ابْنَ سِيرِينَ - وَكُلْ خُبْزًا، أَوْ تَمْرًا - وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] . قُلْنَا: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْهِيٌّ أَنْ يُطِيعَ الْآثِمَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَفُورًا - وَكُلُّ كَفُورٍ آثِمٌ، وَلَيْسَ كُلُّ آثِمٍ كَفُورًا - فَصَحَّ أَنَّ ذِكْرَهُ تَعَالَى لِلْكَفُورِ تَأْكِيدٌ أَبَدًا، وَإِلَّا فَالْكَفُورُ دَاخِلٌ فِي الْآثِمِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْعَرَبِ: جَالِسْ الْحَسَنَ، أَوْ ابْنَ سِيرِينَ - وَكُلْ خُبْزًا، أَوْ تَمْرًا، فَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ خُرُوجَ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي اللُّغَةِ بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا نَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ بِالظُّنُونِ وَالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute