[مَسْأَلَةٌ الْعَارِيَّةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْدِي الْمُسْتَعِيرِ]
مَسْأَلَةٌ: وَالْعَارِيَّةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ إنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعْدِي الْمُسْتَعِيرِ، وَسَوَاءٌ مَا غَيَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَوَارِيّ وَمَا لَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ مِنْهَا.
فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَدَّى، أَوْ أَضَاعَهَا حَتَّى تَلِفَتْ، أَوْ عَرَضَ فِيهَا عَارِضٌ، فَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ أَقَرَّ: ضَمِنَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَلَا أَقَرَّ -: لَزِمَتْهُ الْعَيْنُ وَبَرِئَ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَأَمَّا تَضْمِينُهَا: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا -: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قُلْنَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ بِأَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُعِيرُ ضَمَانَهَا فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ - يَعْنِي الْمُتَّهَمَ -.
وَقَالَ قَائِلٌ: أَمَّا مَا غَيَّبَ عَلَيْهِ كَالْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَضْمَنُ جُمْلَةً - وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَهُوَ ضَامِنٌ.
وَأَمَّا مَا ظَهَرَ كَالْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ: فَلَا ضَمَانَ فِيهِ مَا لَمْ يَتَعَدَّ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِيهِ سَلَفًا إلَّا عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ وَحْدَهُ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: نَتَّهِمُ الْمُسْتَعِيرَ فِيمَا غَابَ.
فَقُلْنَا: لَيْسَ بِالتُّهْمَةِ تُسْتَحَلُّ أَمْوَالُ النَّاسِ؛ لِأَنَّهَا ظَنٌّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَنْكَرَ اتِّبَاعَ الظَّنِّ، فَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» .
وَيَلْزَمُكُمْ إذَا أَعْمَلْتُمْ الظَّنَّ أَنْ تُضَمِّنُوا الْمُتَّهَمَ، وَلَا تُضَمِّنُوا مِنْ لَا يُتَّهَمُ، كَمَا يَقُولُ شُرَيْحٌ. وَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تُضَمِّنُوا الْوَدِيعَةَ أَيْضًا بِهَذِهِ التُّهْمَةِ - وَفَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّفَ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْرَدْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِسْنَاهُ عَلَى الرَّهْنِ.
فَقُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، وَحُجَّةٌ لِقَوْلِكُمْ بِقَوْلِكُمْ، وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ.