قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: اذْهَبِي إلَى فُلَانَةَ فَأَقْرِئِيهَا السَّلَامَ وَقَوْلِي لَهَا: إنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ تُوصِيك بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَمْنَعِي الْمَاعُونَ قَالَتْ: فَقُلْت: مَا الْمَاعُونُ؟ فَقَالَتْ لِي: هَبِلْتِ، هِيَ الْمِهْنَةُ يَتَعَاطَاهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَيْضًا، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ يَحْيَى: عَنْ شُعْبَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عِيَاضِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: الْمَاعُونُ مَنْعُ الْقِدْرِ وَالْفَأْسِ، وَالدَّلْوِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ {الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي رِوَايَتِهِ: مَتَاعُ الْبَيْتِ، وَقَالَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ: هِيَ الْعَارِيَّةُ - وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: هُوَ الْمَالُ يُمْنَعُ حَقُّهُ - وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا - وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمَا، وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافًا لِهَذَا
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا الزَّكَاةُ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَتْ الْعَارِيَّةُ - ثُمَّ قَدْ جَاءَ عَنْهُ، أَنَّهَا الْعَارِيَّةُ.
فَوَجَبَ جَمْعُ قَوْلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ " مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ.
قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ " لَمْ يَأْتِ أَهْلُهَا بَعْدُ " أَيْ إنَّ النَّاسَ الْيَوْمَ يَتَبَاذَلُونَ وَلَا يَمْنَعُونَ وَسَيَأْتِي زَمَانٌ يَمْنَعُونَهُ، وَلَا يَحْتَمِلُ أَلْبَتَّةَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا هَذَا الْوَجْهَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْعُ ذَلِكَ لِمُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ؛ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ فِيهَا، أَوْ حَائِطًا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، فَلَهُ أَخْذُهُ بِهَدْمِ بِنَائِهِ مَتَى أَحَبَّ بِلَا تَكْلِيفِ عِوَضٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَأَنَّ مَنْ أَضَاعَ مَا يَسْتَعِيرُ أَوْ جَحَدَهُ وَلَمْ يُؤْمَنْ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلَا يَجُوزُ عَوْنُهُ عَلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.