وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةَ كَسْبِهِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَهُ بِمَا رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا فَحَجَمَهُ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَخَفَّفَ مِنْ خَرَاجِهِ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ وَاجِبٌ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ عَنْ غَيْرِ مُشَارَطَةٍ فَكَانَتْ مُشَارَطَتُهُ لَا تَجُوزُ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا عَمَلٌ مَجْهُولٌ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ النَّهْيَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ جُمْلَةً وَقَدْ يَكْسِبُ مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ مِنْ سَهْمٍ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَمِنْ ضَيْعَةٍ، وَمِنْ تِجَارَةٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ.
وَلَمْ تَحْرُمُ الْحِجَامَةُ قَطُّ بِلَا خِلَافٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ كَسْبٍ يَعِيشُ مِنْهُ، وَإِلَّا مَاتَ ضَيَاعًا، فَصَحَّ أَنَّ كَسْبَهُ بِالْحِجَامَةِ خَاصَّةً هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فِعْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ حَلَالًا حَسَنًا وَيَكُونُ مَا عَدَاهُ حَرَامًا - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا وَكِيعٌ نا مَعْمَرُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ - هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْتَجِمَ الرَّجُلُ وَلَا يُشَارِطَ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.
[مَسْأَلَةٌ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ]
١٣٠٧ - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى تَعْلِيمِ الْعِلْمِ مُشَاهَرَةً وَجُمْلَةً، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ - وَعَلَى الرَّقْيِ، وَعَلَى نَسْخِ الْمَصَاحِفِ، وَنَسْخِ كُتُبِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ نَصٌّ، بَلْ قَدْ جَاءَتْ الْإِبَاحَةُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو مُحَمَّدٍ سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ الْبَاهِلِيُّ نا أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَاءُ هُوَ صَدُوقٌ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute