وَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ التَّأْجِيلُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أَجَّلَهُ فِي قَرْضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَيَأْخُذُهُ حَالًّا، فَإِنْ أَجَّلَهُ فِي غَصْبٍ غَصَبَهُ إيَّاهُ أَوْ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ - مَا عَدَا الْقَرْضَ - لَزِمَهُ التَّأْجِيلُ.
وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ إنْ اسْتَهْلَكَ لَهُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ ثُمَّ أَجَّلَهُ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّأْجِيلُ، فَإِنْ اسْتَهْلَكَ لَهُ شَاةً أَوْ ثَوْبًا فَأَجَّلَهُ فِي قِيمَتِهِمَا لَزِمَهُ التَّأْجِيلُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَف مِنْ هَذِهِ الْفُرُوقِ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ التَّأْجِيلَ فِي أَصْلِ الْقَرْضِ لَا يَصِحُّ - فَمَا زَادَ هَذَا الْمُحْتَجُّ عَلَى خِلَافِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: ٢٨٢]
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ مَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
[مَسْأَلَةٌ مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ مُؤَجَّلَةٌ]
١٢٠٧ - مَسْأَلَةٌ:
وَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ مُؤَجَّلَةٌ، أَوْ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَدْ بَطَلَتْ الْآجَالُ كُلُّهَا، وَصَارَ كُلُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ حَالًّا، وَكُلُّ مَا لَهُ مِنْ دَيْنٍ حَالًّا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ الْقَرْضُ، وَالْبَيْعُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ - وَقَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ مُؤَجَّلَةٌ فَقَدْ حَلَّتْ، وَأَمَّا الَّتِي لَهُ عَلَى النَّاسِ فَإِلَى أَجَلِهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ بِلَا بُرْهَانٍ، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.
بُرْهَانُ قَوْلِنَا -: هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» وَقَالَ تَعَالَى فِي حُكْمِهِ فِي الْمَوَارِيثِ فَذَكَرَ فَرَائِضَ الْمَوَارِيثِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] فَصَحَّ أَنَّ بِمَوْتِ الْإِنْسَانِ بَطَلَ حُكْمُهُ عَنْ مَالِهِ وَانْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْغُرَمَاءِ، وَالْمُوصَى لَهُمْ، وَوُجُوهِ الْوَصَايَا، وَالْوَرَثَةِ، وَعَقْدُ الْغُرَمَاءِ فِي تَأْجِيلِ مَا عَلَيْهِمْ، أَوْ تَأْجِيلِ مَا عَلَى الْمَيِّت إنَّمَا كَانَ بِلَا شَكٍّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُتَوَفَّى إذْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute