قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: التَّمْوِيهُ بِإِيرَادِ بَعْضِ آيَةٍ وَالسُّكُوتِ عَنْ أَوَّلِهِمَا أَوْ آخِرِهَا عَادَةُ سُوءٍ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى خِزْيُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
[مَسْأَلَةٌ مَا تَغَذَّى مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ أَكْلُهُ بِالْمُحَرَّمَاتِ]
١٠٢٩ - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا تَغَذَّى مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ أَكْلُهُ بِالْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ حَلَالٌ: كَالدَّجَاجِ الْمُطْلَقِ، وَالْبَطِّ، وَالنَّسْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّ جَدْيًا أُرْضِعَ لَبَنَ خِنْزِيرَةٍ لَكَانَ أَكْلُهُ حَلَالًا حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَلَّالَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] . فَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ مَا يَأْكُلُ إلَّا الْجَلَّالَةَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] . وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى تَحْلِيلُ الدَّجَاجِ وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ الْقَذِرَ. وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا حَبَسَهَا ثَلَاثًا حَتَّى يَطِيبَ بَطْنُهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَبَسَهَا مِنْ أَجْلِ مَا فِي قَانِصَتِهَا مِمَّا أَكَلَتْ فَاَلَّذِي فِي الْقَانِصَةِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ جُمْلَةً، لِأَنَّهُ رَجِيعٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ اسْتِحَالَةِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي أُكِلَتْ فَلَا يَسْتَحِيلُ لَحْمُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بَلْ قَدْ صَارَ مَا تَغَذَّتْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَحْمًا مِنْ لَحْمِهَا، وَلَوْ حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ لَحَرُمَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ مَا يَنْبُتُ عَلَى الزِّبْلِ - وَهَذَا خَطَأٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَرَامَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُهُ وَاسْمُهُ بَطَلَ حُكْمُهُ الَّذِي عُلِّقَ عَلَى ذَلِكَ الِاسْمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ حُكْمُ أَكْلِ الْقِرْد]
١٠٣٠ - مَسْأَلَةٌ: وَالْقِرْدُ حَرَامٌ أَكْلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ نَاسًا عُصَاةً عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى صُورَةِ الْخِنْزِيرِ، وَالْقِرَدَةِ. وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَمْسَخُ عُقُوبَةً فِي صُورَةِ الطَّيِّبَاتِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَإِذْ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا طَيِّبٌ أَوْ خَبِيثٌ، فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ طَيِّبًا فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ خَبِيثٌ فَإِذًا الْقِرْدُ خَبِيثٌ، وَالْخِنْزِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute