هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَمْنَعُونَ مِنْ إخْرَاجِ الرَّهْنِ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ، وَتُجِيزُونَ بَيْعَهُ وَعِتْقَهُ وَالصَّدَقَةَ بِهِ، وَهُوَ إخْرَاجٌ لَهُ عَنْ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ النَّصَّ جَاءَ بِإِيجَابِ الرَّهْنِ فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُ مَا صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ جُمْلَةً، فَلَمْ يَمْنَعْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ قَطُّ، لَا فِي قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، فَإِذَا صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤]
وَعَقْدُ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَعَ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ارْتِهَانُ مَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَنَقُولُ لَهُمْ: إنَّ جَمِيعَكُمْ - يَعْنِي الْمَالِكِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ - مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا قَدِمَ أَبِي أَنَّهُ قَدْ عَقَدَ فِيهِ عَقْدًا لَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ أَبَدًا، وَأَنَّهُ حُرٌّ مَتَى قَدِمَ أَبُوهُ، ثُمَّ لَا خِلَافَ بَيْنَكُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَبُوهُ وَإِصْدَاقِهِ، وَهِبَتِهِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ إنْ أَنْصَفْتُمْ أَنَفْسَكُمْ؟
[مَسْأَلَةٌ رَهْن مَال غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ مَالَ وَلَدِهِ]
١٢٢٢ - مَسْأَلَةٌ:
وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ غَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ، إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ الَّتِي يُرِيدُ رَهْنَهَا، وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَا مَالَ يَتِيمِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ وَلَا مَالَ زَوْجَتِهِ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: لَهُ أَنْ يَرْهَنَ عَنْ نَفْسِهِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ. قَالَ الْمَالِكِيُّونَ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ يَتِيمِهِ عَنْ نَفْسِهِ. وَقَالُوا: إذَا أَذِنَ الْأَجْنَبِيُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ أَنَّ لِلْأَبِ الْوَصِيِّ أَنْ يُودِعَ مَالَ الِابْنِ وَالْيَتِيمِ، فَإِدْخَالُهُ فِي الذِّمَّةِ أَحَقُّ بِالْجِوَازِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا إيدَاعُهُ، وَلَا قَرْضُهُ، إلَّا حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ نَظَرًا وَحِيَاطَةً لِلصَّغِيرِ، وَلَا نَظَرَ لَهُ أَصْلًا فِي أَنْ يَرْهَنَهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، فَهُوَ ضَرَرٌ، فَهُوَ مَرْدُودٌ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ أَذَا خَشِيَ هَلَاكَهَا عِنْدَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute