للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلْقَمَةَ، فَجَيِّدَانِ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِمَا - وَفِي كِلَيْهِمَا إطْلَاقُ الْقَاتِلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَمَسِيرُهُ حَتَّى غَابَ عَنْهُمْ، وَخَفِيَ عَنْهُمْ، لَا ضَرْبَ وَلَا نَفْيَ.

فَصَحَّ قَوْلُ مَنْ رَأَى أَنْ لَا جَلْدَ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا نَفْيَ إذَا عُفِيَ عَنْهُ.

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - خِلَافٌ لَهُ أَصْلًا - وَهَذَا مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ الْمَالِكِيُّونَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَإِذَا خَالَفَهُ لَمْ يُبَالُوا بِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ بِذَلِكَ فِي الْقَسَامَةِ فَمَا عُرِفَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ]

٢٠٧٧ - مَسْأَلَةٌ: فِي مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ «الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ وَإِنْ قَتَلْتَهُ كُنْتَ مِثْلَهُ»

قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ أَيْقَنَّا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ الْمُتَيَقَّنَ، وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقْضِي بِبَاطِلٍ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ بَاطِلٌ - فَإِذْ لَا شَكَّ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا طَلَبُ وَجْهِ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْقَوَدِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَإِطْلَاقِهِ عَلَى الْقَتْلِ فِي ذَلِكَ، مَعَ قَوْلِهِ الصَّادِقِ «وَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ، وَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» فَإِنَّ لِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ: كَيْفَ يَقْضِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوَدٍ لَا يَحِلُّ لَهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ - حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَإِذْ لَا يَجُوزُ هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ فِي النَّارِ، وَمِثْلًا لِلْقَاتِلِ، مَنْ اسْتَقَادَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ اقْتَصَّ بِالْحَقِّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا تَفْسِيرُ ابْنِ أَشْوَعَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ الْعَفْوَ عَنْهُ فَأَبَى، فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ شَافِعًا فِي الْعَفْوِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ آمِرًا بِالْعَفْوِ، فَإِنْ كَانَ شَافِعًا فَلَيْسَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ إسْعَافِ شَفَاعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فَعَلَتْ بَرِيرَةُ إذْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَيَّرَهَا فِي الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقِهِ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ «لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ. فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ. فَقَالَتْ: لَا أَرْجِعُ إلَيْهِ أَبَدًا» فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ أَنَّ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ تَكُنْ عَاصِيَةً بِذَلِكَ.

فَإِنْ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَافِعًا فِي هَذَا الْقَاتِلِ، فَلَيْسَ الْمُمْتَنِعُ عَاصِيًا فَإِذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>