وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سُفْيَانُ: مَنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَعَادَ الرَّمْيَ بَعْدَ طُلُوعِهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
[لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلَّا مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ]
وَأَمَّا قَوْلُنَا: لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إلَّا مَعَ آخِرِ حَصَاةٍ مِنْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا نَهَضَ إلَى عَرَفَةَ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ؛ وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: التَّلْبِيَةُ اسْتِجَابَةٌ فَإِذَا وَصَلَ فَلَا مَعْنَى لِلتَّلْبِيَةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ إلَيْهِ؛ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَمَّا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ فَقَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ فَالْمَرْجُوعُ فِيهِ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - الرُّجُوعَ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ التَّلْبِيَةَ اسْتِجَابَةٌ فَدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهَا؛ وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوا: لَوَجَبَتْ التَّلْبِيَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ، وَوُجُوبِ النُّهُوضِ إلَى الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا؛ وَمَا التَّلْبِيَةُ إلَّا شَرِيعَةٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا لَا عِلَّةَ لَهَا إلَّا مَا قَالَ تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: ٧] .
ثُمَّ لَوْ كَانَتْ اسْتِجَابَةً كَمَا قَالُوا: لَكَانَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ فُرُوضٌ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ وَاصِلًا إلَى مَا دُعِيَ إلَيْهِ إلَّا بِتَمَامِهَا كَعَرَفَةَ، وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» . وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ نَا هُشَيْمٌ أَنَا حُصَيْنُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُدْرِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَبَّى حِينَ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ فَقِيلَ لَهُ: عَنْ أَيِّ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَسِيَ النَّاسُ أَمْ ضَلُّوا؟ سَمِعْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِي هَذَا الْمَكَانِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute