للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَرَى الْإِجَارَةَ لَا تُنْتَقَضُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، أَوْ لَا تُنْتَقَضُ بِهَلَاكِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ مِمَّنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ أَبِي ثَوْرٍ، أَنْ يُجِيزَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا إلَى أَلْفِ عَامٍ، وَإِلَى عَشَرَةِ آلَافِ عَامٍ، وَأَكْثَرَ، وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالْإِجَارَةِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمِثْلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةٍ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

[مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ لِإِرْضَاعِ الصَّغِيرِ مُدَّةً مُسَمَّاةً]

١٢٩٥ - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ اسْتِئْجَارُ الْمَرْأَةِ ذَاتِ اللَّبَنِ لِإِرْضَاعِ الصَّغِيرِ مُدَّةً مُسَمَّاةً.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] .

[مَسْأَلَةٌ اسْتِئْجَارُ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ لِلْحَلْبِ]

١٢٩٦ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ شَاةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - لَا وَاحِدَةٍ وَلَا أَكْثَرَ - لِلْحَلْبِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَنَافِعِ خَاصَّةً، لَا فِي تَمَلُّكِ الْأَعْيَانِ، وَهَذَا تَمَلُّكُ اللَّبَنِ، وَهُوَ عَيْنٌ قَائِمَةٌ، فَهُوَ بَيْعٌ لَا إجَارَةٌ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُرَ قَطُّ، وَلَا تُعْرَفُ صِفَتُهُ بَاطِلٌ. - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ إجَارَةَ الشَّاةِ وَلَا الشَّاتَيْنِ لِلْحَلْبِ، وَأَجَازَ إجَارَةَ الْقَطِيعِ مِنْ ذَوَاتِ اللَّبَنِ لِلْحَلْبِ - وَأَجَازَ اسْتِئْجَارَ الْبَقَرَةِ لِلْحَرْثِ، وَاشْتِرَاطَ لَبَنِهَا - وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ وَتَنَاقُضٌ؛ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا.

ثُمَّ لَمْ يَأْتِ بِحَدٍّ بَيْنَ مَا حُرِّمَ وَمَا حُلِّلَ، فَمَزَجَ الْحَرَامَ بِالْحَلَالِ بِغَيْرِ بَيَانٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى؟

<<  <  ج: ص:  >  >>