وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] وَالصَّغَارُ هُوَ جَرْيُ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا مَا تُرِكُوا يَحْكُمُونَ بِكُفْرِهِمْ فَمَا أَصْغَرْنَاهُمْ بَلْ هُمْ أَصْغَرُونَا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَة عَلَى الْحَاكِم أَنْ يَحْكُم بعلمة]
١٨٠٠ - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الدِّمَاءِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْأَمْوَالِ، وَالْفُرُوجِ، وَالْحُدُودِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَ وِلَايَتِهِ، وَأَقْوَى مَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقِينُ الْحَقِّ، ثُمَّ بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ بِالْبَيِّنَةِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لَوْ رَأَيْت رَجُلًا عَلَى حَدٍّ لَمْ أَدْعُ لَهُ غَيْرِي حَتَّى يَكُونَ مَعِي شَاهِدٌ غَيْرِي، وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَرَأَيْت لَوْ رَأَيْت رَجُلًا قَتَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ زَنَى؟ قَالَ: شَهَادَتُك شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْت
- وَأَنَّهُ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ عُمَرَ اُخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ يَعْرِفُهُ فَقَالَ لِلطَّالِبِ: إنْ شِئْت شَهِدْت وَلَمْ أَقْضِ، وَإِنْ شِئْت قَضَيْت وَلَمْ أَشْهَدْ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ اثْنَانِ فَأَتَاهُ أَحَدُهُمَا بِشَاهِدٍ، فَقَالَ لِشُرَيْحٍ وَأَنْتَ شَاهِدِي أَيْضًا، فَقَضَى لَهُ شُرَيْحٌ مَعَ شَاهِدِهِ بِيَمِينِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي الزِّنَى.
وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا أَكُونُ شَاهِدًا وَقَاضِيًا.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - وَأَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلًا.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ بِالِاعْتِرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً -.
وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ -: يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ، إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ أَصْلًا وَأَمَّا مَا عَلِمَهُ بَعْدَ وِلَايَتِهِ