وَالثَّانِي - أَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ، وَإِجَارَةُ مَجْهُولٍ لَا يَدْرِي مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ لِلْبَيْعِ وَلَا مَا يَقَعُ مِنْهُ لِلْإِجَارَةِ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، فَإِنْ تَطَوَّعَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا بِإِحْضَارِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ.
وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ الْبَنَّاءِ وَآلَاتِهِ، وَالنَّجَّارِ وَآلَاتِهِ، وَالْوَرَّاقِ وَأَقْلَامِهِ، وَجَلَمِهِ وَسِكِّينِهِ، وَمَلْزَمَتِهِ، وَمِحْبَرَتِهِ، وَالْخَيَّاطِ وَإِبْرَتِهِ وَجَلَمِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ وَاحِدَةٌ كُلُّهَا. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ لِتِلْكَ الْآلَةِ، وَلَا مَا يَقَعُ لِلْعَامِلِ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الصَّبَّاغُ: فَإِنَّمَا اُسْتُؤْجِرَ لِإِدْخَالِ الثَّوْبِ فِي قِدْرِهِ فَقَطْ.
[مَسْأَلَةٌ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ شَيْئًا مَا ثُمَّ أَجَّرَهُ]
١٣١٤ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا مَا ثُمَّ أَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ أَوْ بِأَقَلَّ أَوْ بِمِثْلِهِ، فَهُوَ حَلَالٌ جَائِزٌ.
وَكَذَلِكَ الصَّائِغُ الْمُسْتَأْجَرُ لِعَمَلِ شَيْءٍ فَيَسْتَأْجِرُ هُوَ غَيْرَهُ لِيَعْمَلَهُ لَهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِمِثْلِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ، وَالْفَضْلُ جَائِزٌ لَهُمَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُعَاقَدَةُ وَقَعَتْ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَجُوزُ غَيْرُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَهِيَ مُؤَاجَرَةٌ وَقَدْ أَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُؤَاجَرَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
١٣١٥ - مَسْأَلَةٌ: وَالْإِجَارَةُ بِالْإِجَارَةِ جَائِزَةٌ -: كَمَنْ أَجَّرَ سُكْنَى دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ، أَوْ سُكْنَى بِخِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ بِخِيَاطَةٍ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ كِرَاءُ دَارٍ بِكِرَاءِ دَارٍ - وَيَجُوزُ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ - وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ.
بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَأَجَّرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْفَضْلُ لِلْأَوَّلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute