وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] فَأَسْقَطَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الِاخْتِيَارَ فِيمَا قَضَى بِهِ؛ وَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِذْنَ وَالِاسْتِئْذَانَ فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ، وَأَمَّا مَا لَا خِيَارَ فِيهِ وَلَا إذْنَ لِأَحَدٍ فِيهِ وَلَا فِي تَرْكِهِ وَلَا فِي تَغْيِيرِهِ فَلَا مَدْخَلَ لِلِاسْتِئْذَانِ فِيهِ: هَذَا مَعْلُومٌ بِالْحِسِّ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِي تَخْصِيصُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْنَ الْبَعْلِ فِيهِ؛ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ تَدْرِيب الصِّبْيَانِ عَلَى الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ]
٨٠٥ - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ تَدْرِيبَ الصِّبْيَانِ عَلَى الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ إذَا أَطَاقُوهُ وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ فِيهِمْ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وُجُوبَ الْأَحْكَامِ بِالْإِنْبَاتِ، وَالْحَيْضِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: ١٠٤] وَتَدْرِيبُهُمْ عَلَى الصَّوْمِ خَيْرٌ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا (قَبْلُ) قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلشَّيْخِ الَّذِي وَجَدَهُ سَكْرَانَ فِي رَمَضَانَ: وِلْدَانُنَا صِيَامٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا صَامَ الْغُلَامُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ لَا شَيْءَ إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، أَخَذُوا بِرِوَايَتِهِ فِي (إبَاحَةِ) كِرَاءِ الْأَرْضِ وَأَبْطَلُوا بِهَا الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَهُوَ حُجَّةٌ إذَا اشْتَهَوْا وَلَيْسَ هُوَ حُجَّةً إذَا اشْتَهَوْا -: وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ: يُؤْمَرُ الْغُلَامُ بِالصَّلَاةِ إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ، وَبِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ.
وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: يُؤْمَرُونَ بِالصَّلَاةِ إذَا عَقَلُوهَا، وَبِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقُوهُ قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute