وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِلْخَبَرِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
قَالَ عَلِيٌّ: الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ كُلُّهُ حَقٌّ وَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا السَّمْعُ لَهُ وَالطَّاعَةُ، وَلَيْسَ بَعْضُهُ مُعَارِضًا لِبَعْضٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦] وَاَلَّذِي قَضَى بِالشُّفْعَةِ وَإِسْقَاطِ الْمِلْكِ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَإِبْطَالِ الشِّرَاءِ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَقَضَى بِالْعَاقِلَةِ، وَأَنْ يَغْرَمُوا مَا لَمْ يَجْنُوا، وَأَبَاحَ أَمْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ - أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا - هُوَ الَّذِي قَضَى بِأَنْ يَغْرِزَ الْجَارُ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ، وَنَهَى عَنْ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوا هَذَا الْحُكْمَ حَيْثُ أَبَاحُوا ثَمَرَ النَّخْلِ، وَكِرَاءِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ -: كُلُّ ذَلِكَ لِمَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَاصِبِ بِالْبَاطِلِ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ، وَالْوَاجِبُ اسْتِعْمَالُ جَمِيعِ السُّنَنِ. فَنَقُولُ: أَمْوَالُنَا حَرَامٌ عَلَى غَيْرِنَا، إلَّا حَيْثُ أَبَاحَهَا الَّذِي حَرَّمَهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ «خَشَبَةً» بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ؟ فَقُلْنَا: فَأَنْتُمْ لَا تُجِيزُونَ لَهُ لَا وَاحِدَةً وَلَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ؟ وَكُلُّ خَشَبَةٍ فِي الْعَالَمِ فَهِيَ خَشَبَةٌ، وَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ أَنْ يَضَعَهَا فِي جِدَارِهِ، فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ فِي كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ مَلَكَ مَاءً فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ أَوْ سَاقِيَةٍ حَفَرَهَا]
١٣٥٩ - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ مَاءً فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ، أَوْ سَاقِيَةٍ حَفَرَهَا، أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا، أَوْ بِئْرٍ اسْتَنْبَطَهَا - فَهُوَ أَحَقُّ بِمَاءِ كُلِّ ذَلِكَ مَا دَامَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُ الْفَضْلِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِهِ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ، لَا بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute