مَرَّتَيْنِ فِي الشَّهْرِ الْوَاحِدِ» وَلَمْ يَكْرَهْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ بَلْ حَضَّ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا، وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَالْإِكْثَارُ مِنْهَا أَفْضَلُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ: بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعْتَمِرْ فِي عَامٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قُلْنَا: لَا حُجَّةَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ مَا حَضَّ عَلَى تَرْكِهِ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحُجَّ مُذْ هَاجَرَ إلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَلَا اعْتَمَرَ مُذْ هَاجَرَ إلَّا ثَلَاثَ عُمَرَ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَكْرَهُوا الْحَجَّ إلَّا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَأَنْ تَكْرَهُوا الْعُمْرَةَ إلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي الدَّهْرِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ؛ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتْرُكُ الْعَمَلَ هُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ أَوْ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَصُومَ الْمَرْءُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ، وَأَنْ يَقُومَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ؛ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْ قَطُّ - شَهْرًا كَامِلًا، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الدَّهْرِ، وَلَا قَامَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، فَلَمْ يَرَوْا فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَاهُنَا حُجَّةً فِي كَرَاهَةِ مَا زَادَ عَلَى صِحَّةِ نَهْيِهِ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الصَّوْمِ وَمِقْدَارِ مَا يُقَامُ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ.
وَجَعَلُوا فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِرْ فِي الْعَامِ إلَّا مَرَّةَ مَعَ حَضِّهِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا حُجَّةً فِي كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى عُمْرَةٍ مِنْ الْعَامِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
[مَسْأَلَةٌ أَشْهُرُ الْحَجِّ]
٨٢١ - مَسْأَلَةٌ:
وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقِعْدَةِ، وَعَشَرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
رُوِّينَا قَوْلَنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ.
وَرُوِّينَا الْقَوْلَ الْآخَرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَصَدْرُ ذِي الْحِجَّةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] وَلَا يُطْلَقُ عَلَى شَهْرَيْنِ، وَبَعْضٍ آخَرَ: أَشْهُرٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ رَمْيَ الْجِمَارِ - وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ - يُعْمَلُ الْيَوْمَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ - وَهُوَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ - يُعْمَلُ فِي ذِي الْحِجَّةِ كُلِّهِ بِلَا خِلَافٍ مِنْهُمْ؛ فَصَحَّ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute