قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ، وَلِلْيَمِينِ، وَلِلظِّهَارِ، وَلِلْإِيلَاءِ: كُلِّهَا أَقْوَالٌ لَمْ تَأْتِ فِي نَصِّ قُرْآنٍ، وَلَا فِي سُنَّةٍ، وَلَا حُجَّةَ فِي سِوَاهُمَا، بَلْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] فَأَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّهُ لَهُ، وَالزَّوْجَةُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ: فَتَحْرِيمُهَا مُنْكَرٌ، وَالْمُنْكَرُ مَرْدُودٌ، لَا حُكْمَ لَهُ إلَّا التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: ١١٦] فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ - الْحَلَالِ لَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هِيَ حَرَامٌ، فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى، وَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ حَرَامًا بِقَوْلِهِ، لَكِنْ بِالْوَجْهِ الَّذِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَتَحْرِيمُ الْحَلَالِ إحْدَاثُ حَدَثٍ لَيْسَ فِي أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَجَبَ أَنْ يُرَدَّ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: امْرَأَةُ زَيْدٍ لِي حَلَالٌ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لَحْمَ الْكَبْشِ، وَبَيْنَ مَنْ أَحَلَّ لِنَفْسِهِ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ. فَصَحَّ أَنَّ التَّحْرِيمَ بَاطِلٌ، وَلَا حُكْمَ لِلْبَاطِلِ إلَّا إبْطَالَهُ وَالتَّوْبَةَ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمِيتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ بَلْ هِيَ حَلَالٌ كَالْمَاءِ، وَلَا تَكُونُ حَرَامًا بِهَذَا الْقَوْلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك]
١٩٣٥ - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك؟ فَإِنَّنَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تُوهَبُ لِأَهْلِهَا: إنْ قَبِلُوهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَوَاحِدَةٌ - وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا - يَعْنِي بِرَجْعَتِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ التُّسْتَرِيُّ - نا الْحَسَنُ - هُوَ الْبَصْرِيُّ - قَالَ: كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ يَقُولُونَ: إنْ وَهَبَ امْرَأَتَهُ لِأَهْلِهَا فَأَمْسَكُوهَا، فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ، وَإِنْ هُمْ رَدُّوهَا عَلَيْهِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute