للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ هَذَا إنَّمَا صَحَّ لِمُوَافَقَتِهِ عُمُومَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] . وَبِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ السَّارِقِ عُمُومًا دُونَ اشْتِرَاطِ حِرْزٍ. وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ هَذَا؛ لِأَنَّهَا وَاهِيَةٌ، وَلَا حُجَّةً إلَّا فِي صَحِيحٍ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَوَجَدْنَا حُجَّتَهُمَا إنَّمَا هِيَ خَبَرُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَخَبَرُ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، لَا حُجَّةَ لَهُمَا غَيْرُهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ فِي غَايَةِ الْوَهْيِ، وَأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْوَاهِي بَاطِلٌ؛ وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ لَا تَصِحُّ وَلَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مَنْ ادَّعَاهُ مِنْ الْحِرْزِ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ ثَمَرٍ، وَلَا اسْمُ كَثَرٍ، وَأَنْ يُقْطَعَ فِي ذَلِكَ إنْ آوَاهُ الْجَرِينُ - رَطْبًا كَانَ أَوْ غَيْر رَطْبٍ - فَهَذَا كَانَ يَكُونُ الْحُكْمُ - لَوْ صَحَّ الْخَبَرُ - وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ، بِظَنٍّ كَاذِبٍ

فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ الْآثَارُ أَصْلًا فَالْوَاجِبُ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ ثَمَرٍ، وَفِي كُلِّ كَثَرٍ - مُعَلَّقًا كَانَ فِي شَجَرِهِ أَوْ مَجْذُوذًا، أَوْ فِي جَرِينٍ كَانَ أَوْ غَيْرِ جَرِينٍ - إذَا أَخَذَهُ سَارِقًا لَهُ، مُسْتَخْفِيًا بِأَخْذِهِ، غَيْرَ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ، وَبِغَيْرِ حَقٍّ لَهُ، فَإِنَّ الْقَطْعَ فِي كُلِّ طَعَامٍ كَانَ مِمَّا يَفْسُدُ أَوْ لَا يَفْسُدُ - إذَا أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِأَخْذِهِ، لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَا عَنْ حَقٍّ أَوْجَبَ لَهُ أَخْذُهُ، فَإِنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ فِي الزَّرْعِ، إذَا أُخِذَ مِنْ فَدَّانِهِ، أَوْ هُوَ بِأَنْدَرِهِ، عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ مُسْتَتِرًا، أَوْ مُخْتَفِيًا بِأَخْذِهِ، لَا عَنْ حَاجَةٍ إلَيْهِ، وَلَا عَنْ حَقٍّ لَهُ.

وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ - فَالْقَطْعُ فِيهَا أَيْضًا كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ضَالَّةً يَأْخُذُهَا مُعْلِنًا فَيَكُونُ مُحْسِنًا، حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهَا، وَعَاصِيًا لَا سَارِقًا، حَيْثُ لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهَا، فَلَا قَطْعَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَارِقًا؛ وَإِنَّمَا الْقَطْعُ عَلَى السَّارِقِ - وَعُمْدَتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ السَّارِقِ عُمُومًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَة الِاخْتِلَاف فِي الْقَطْعِ فِي الطَّيْرِ إذَا سُرِقَ]

٢٢٧٣ - مَسْأَلَةٌ: الطَّيْرُ فِيمَنْ سَرَقَهَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>