للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي عَصْرِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ حَقًّا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَخِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالْبَاطِلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

[مَسْأَلَةٌ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ]

١٧٨٤ - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ كَمَا يُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ.

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا.

وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ إلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ

وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْأَرْضِينَ، وَالدُّورِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا غَيْبَةً طَوِيلَةً - قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَمَا بَيْنَ مِصْرَ وَالْأَنْدَلُسِ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ مِنْ وَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ عَقَارِ غَيْرِهِ إلَّا كَاَلَّذِي حَرَّمَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ وَلَا فَرْقَ، بَلْ الْعَقَارُ كَانَ أَوْلَى فِي الرَّأْيِ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ وَلَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلَا يَفُوتُ، بَلْ يُسْتَدْرَكُ الْخَطَأُ فِيهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْأَمْوَالِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي - تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْغَائِبِ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَغَيْبَةً غَيْرَ طَوِيلَةٍ، فَهَذَا قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَفْرِيقٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ غَيْبَةٌ إلَّا وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْهَا فِي الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَهِيَ أَيْضًا قَصِيرَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَطْوَلُ مِنْهَا فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَمَنْ غَابَ عَامَيْنِ إلَى الْعِرَاقِ فَقَدْ غَابَ غَيْبَةً طَوِيلَةً بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ غَابَ نِصْفَ عَامٍ إلَى مِصْرَ، وَقَدْ غَابَ غَيْبَةً قَصِيرَةً بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ غَابَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ إلَى الْهِنْدِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَان.

ثُمَّ تَحْدِيدُ ابْنِ الْقَاسِمِ خَطَأٌ ثَالِثٌ: وَهَذَا قَوْلٌ مَا نَعْلَمُهُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ مَالِكٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ - فَفَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ فَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ - وَلَوْ أَنَّهُ فِي رَحْبَةِ بَابِ دَارِ الْحَاكِمِ - فَعَلَى هَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَى أَحَدٍ أَبَدًا - وَهُوَ فَاسِدٌ كَمَا تَرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>