مَنَعْتُمْ هَذَا وَأَجَزْتُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَإِنَاءٍ مَغْصُوبٍ؟ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ عَمَلٌ مَوْصُوفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ، مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِإِقْرَارِكُمْ سَوَاءً سَوَاءٌ. وَهَذَا لَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى الِانْفِكَاكِ مِنْهُ. وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا بَلْ هُوَ حُكْمٌ وَاحِدٌ دَاخِلٌ تَحْتَ تَحْرِيمِ الْأَمْوَالِ، وَتَحْتَ الْعَمَلِ بِخِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَكُلُّ هَؤُلَاءِ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَرْدُودٌ بِحُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ فِي هَذَا وَمَنْ قَالَ إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبُرُّ وَالتَّمْرُ، وَأَمَّا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ فَلَا، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فَاسِدٌ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ يُبْطِلُونَ طَهَارَةَ مَنْ تَطَهَّرَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّونَ وَأَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يُبْطِلُونَ طَهَارَةَ مَنْ تَطَهَّرَ بِمَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ، دُونَ نَصٍّ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ بِأَيْدِيهِمْ إلَّا تَشْغِيبٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ ثُمَّ يُجِيزُونَ الطَّهَارَةَ بِمَاءٍ وَإِنَاءٍ، يُقِرُّونَ كُلُّهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ، وَثَبَتَ تَحْرِيمُهُ وَتَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَجَبٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ مِثْلُهُ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ الْمُتَيَقَّنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمَانِعِينَ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ، وَخَالَفُوا أَيْضًا الْقِيَاسَ وَمَا تَعَلَّقُوا فِي جَوَازِهِ بِشَيْءٍ أَصْلًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة عدم صِحَّة الْوُضُوء وَالْغُسْل مِنْ آنِيَة الذَّهَب وَالْفِضَّة لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاء]
١٥٣ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَلَا مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ لَا لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا وَكِيعٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَآنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ: هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيَ عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ» . فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ الْأَكْلِ فِيهَا وَالشُّرْبِ. قُلْنَا: هَذَانِ الْخَبَرَانِ نَهْيٌ عَامٌّ عَنْهُمَا جُمْلَةً، فَهُمَا زَائِدَانِ حُكْمًا وَشَرْعًا عَلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ عَنْ الشُّرْبِ فَقَطْ أَوْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ، وَالزِّيَادَةُ فِي الْحُكْمِ لَا يَحِلُّ خِلَافُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute