قُلْنَا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ، وَأَوْجَبَ عَلَى الْأُمِّ رَضَاعَ وَلَدِهَا، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكُونُ لَنَا أَوْلَادٌ مِنْهُنَّ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .
إلَّا أَنَّنَا نَقُولُ: إنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَنَا اسْتِرْضَاعُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا أُبِيحَ لَنَا اتِّخَاذُهُنَّ أَزْوَاجًا وَطَلَبُ الْوَلَدِ مِنْهُنَّ فَبَقِيَ لَبَنُهَا عَلَى النَّجَاسَةِ جُمْلَةً -، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ نَقُولُ: لَوْ خَالَطَ لَبَنُ الْمُرْضِعَةِ دَمٌ ظَاهِرٌ مِنْ فَمِ الْمُرْضَعِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا يُحَرِّمُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّجِسَ، وَالْحَرَامَ إذَا خَالَطَهُمَا الطَّاهِرُ الْحَلَالُ فَإِنَّ الطَّاهِرَ طَاهِرٌ، وَالنَّجِسَ نَجِسٌ، وَالْحَلَالَ حَلَالٌ، وَالْحَرَامَ حَرَامٌ، فَالْمُحَرَّمُ هُوَ اللَّبَنُ لَا مَا خَالَطَهُ مِنْ حَرَامٍ أَوْ نَجِسٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمُهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلَبَنُ الْمُشْرِكَةِ إنَّمَا يَنْجَسُ هُوَ وَهِيَ بِذَلِكَ؛ لِدِينِهَا النَّجِسِ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ لَطَهُرَتْ كُلُّهَا، فَلِإِرْضَاعِهَا حُكْمُ الْإِرْضَاعِ فِي التَّحْرِيمِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ]
٢٠١٩ - مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا خَمْسُ رَضَعَاتٍ، تُقْطَعُ كُلُّ رَضْعَةٍ مِنْ الْأُخْرَى - أَوْ خَمْسُ مَصَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ كَذَلِكَ - أَوْ خَمْسٌ مَا بَيْنَ مَصَّةٍ وَرَضْعَةٍ، تُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُخْرَى - هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَصَّةُ تُغْنِي شَيْئًا مِنْ دَفْعِ الْجُوعِ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُ شَيْئًا.
وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ -: فَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ: أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ إلَّا عَشْرُ رَضَعَاتٍ لَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَتْ بِهِ إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ أُخْتِهَا بِنْتِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ وَهِيَ تُرْضِعُ فَقَالَتْ: أَرْضِعِيهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيَّ قَالَ سَالِمٌ: فَأَرْضَعَتْنِي ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ مَرِضَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ فَلَمْ تُرْضِعْنِي، فَلَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ لَمْ تُتِمَّ لِي عَشْرًا مِنْ الرَّضَعَاتِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute