للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُكَلَّفَ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مُخَاطَبًا وَلَا مُكَلَّفًا وَلَا مَأْمُورًا وَإِنَّمَا أَجْرُهُ تَفَضُّلٌ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - مُجَرَّدٌ عَلَيْهِ كَمَا يَتَفَضَّلُ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا عَمَلَ بِأَنْ يَأْجُرَهُ بِدُعَاءِ ابْنِهِ لَهُ بَعْدَهُ وَبِمَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ عَنْهُ مِنْ حَجٍّ، أَوْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، وَلَا فَرْقَ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ.

وَإِذَا الصَّبِيُّ قَدْ رُفِعَ عَنْهُ الْقَلَمُ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِي صَيْدٍ إنْ قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي إحْرَامِهِ، وَلَا فِي حَلْقِ رَأْسِهِ لِأَذًى بِهِ، وَلَا عَنْ تَمَتُّعِهِ، وَلَا لِإِحْصَارِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ لَزِمَهُ هَدْيٌ لَلَزِمَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْهُ الصِّيَامَ وَهُوَ فِي الْمُتْعَةِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ هَذَا وَلَا يَفْسُدُ حَجُّهُ بِشَيْءِ مِمَّا ذَكَرْنَا، إنَّمَا هُوَ مَا عَمِلَ، أَوْ عُمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَا لَمْ يَعْمَلْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ.

وَقَدْ كَانَ الصِّبْيَانُ يَحْضُرُونَ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، صَحَّتْ بِذَلِكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ: كَصَلَاتِهِ بِأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَحُضُورِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَهُ الصَّلَاةَ، وَسَمَاعِهِ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيُجْزِي الطَّائِفَ بِهِ طَوَافُهُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ طَائِفٌ وَحَامِلٌ، فَهُمَا عَمَلَانِ مُتَغَايِرَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ، كَمَا هُوَ طَائِفٌ وَرَاكِبٌ، وَلَا فَرْقَ.

٩١٦ - مَسْأَلَةٌ:

فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي حَالِ إحْرَامِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا وَيَشْرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ، فَإِنْ فَاتَتْهُ عَرَفَةُ، أَوْ مُزْدَلِفَةُ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ.

أَمَّا تَجْدِيدُهُ الْإِحْرَامَ فَلِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَأْمُورًا بِالْحَجِّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ الْأَوَّلَ كَانَ تَطَوُّعَا وَالْفَرْضُ أَوْلَى مِنْ التَّطَوُّعِ.

[مَسْأَلَةٌ حَجَّ وَاعْتَمَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ]

٩١٧ - مَسْأَلَةٌ:

مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ هَدَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - وَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ فَأَسْلَمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ - وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ اللَّيْثِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: يُعِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥] مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَهَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَقُلْ فِيهَا: لَئِنْ أَشْرَكَتْ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك الَّذِي عَمِلْت قَبْلَ أَنْ تُشْرِكَ، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لَا تَجُوزُ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ - تَعَالَى - أَنَّهُ يَحْبَطُ عَمَلُهُ بَعْدَ الشِّرْكِ إذَا مَاتَ أَيْضًا عَلَى شِرْكِهِ لَا إذَا أَسْلَمَ وَهَذَا حَقٌّ بِلَا شَكٍّ.

وَلَوْ حَجَّ مُشْرِكٌ أَوْ اعْتَمَرَ، أَوْ صَلَّى، أَوْ صَامَ، أَوْ زَكَّى، لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>