اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سِقَاءٍ يُوكَأُ أَعْلَاهُ وَلَهُ عَزْلَاءُ يُنْبَذُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً، وَيُنْبَذُ عِشَاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا الْخَبَرُ، وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَانِ، وَلَيْسَا حَدًّا فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، إنَّمَا هَذَا عَلَى قَدْرِ الْبِلَادِ وَالْآنِيَةِ فَتَجِدُ بِلَادًا بَارِدَةً لَا يَسْتَحِيلُ فِيهَا مَاءُ الزَّبِيبِ إلَى ابْتِدَاءِ الْحَلَاوَةِ إلَّا بَعْدَ جُمُعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَآنِيَةً غَيْرَ ضَارِيَةٍ كَذَلِكَ، وَتَجِدُ بِلَادًا حَارَّةً وَآنِيَةً ضَارِيَةً يَتِمُّ فِيهَا النَّبِيذُ مِنْ يَوْمِهِ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الَّذِي ذَكَرْنَا: «وَاشْرَبْهُ حُلْوًا وَكُلُّ مَا أَسْكَرَ حَرَامٌ» فَقَطْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا غَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَهُوَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ - وَهَذَا قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ - وَقَالَ آخَرُونَ: إذَا انْتَهَى غَلَيَانُهُ وَابْتَدَأَ بِأَنْ يَقِلَّ غَلَيَانُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ.
وَقَالَ آخَرُونَ إذَنْ إذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ - وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ.
وَأَمَّا حَدُّ سُكْرِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ السَّكْرَانِ؟ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ حَدِّ السَّكْرَانِ؟ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي إذَا اُسْتُقْرِئَ سُورَةً لَمْ يَقْرَأْهَا، وَإِذَا خُلِطَتْ ثَوْبُهُ مَعَ ثِيَابٍ لَمْ يُخْرِجْهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِنَا فِي أَنْ لَا يَدْرِيَ مَا يَقُولُ، وَلَا يُرَاعِيَ تَمْيِيزَ ثَوْبِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ سَكْرَانَ إلَّا حَتَّى لَا يُمَيِّزَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَأَبَاحَ كُلُّ سُكْرٍ دُونَ هَذَا - فَاعْجَبُوا يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ؟
[مَسْأَلَةٌ خَلْطُ نَبِيذٍ بِنَبِيذٍ]
١١٠١ - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ نُبِذَ تَمْرٌ، أَوْ رُطَبٌ، أَوْ زَهْوٌ، أَوْ بُسْرٌ، أَوْ زَبِيبٌ مَعَ نَوْعٍ مِنْهَا أَوْ نَوْعٍ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ خُلِطَ نَبِيذُ أَحَدِ الْأَصْنَافِ بِنَبِيذِ صِنْفٍ مِنْهَا، أَوْ بِنَبِيذِ صِنْفٍ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ بِمَائِعِ غَيْرِهَا حَاشَا الْمَاءِ حَرُمَ شُرْبُهُ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ، وَنَبِيذُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَلَالٌ، فَإِنْ مُزِجَ نَوْعٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ مَعَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهَا أَيْضًا أَوْ نُبِذَا مَعًا، أَوْ خُلِطَ عَصِيرٌ بِنَبِيذٍ فَكُلُّهُ حَلَالٌ: كَالْبَلَحِ وَعَصِيرِ الْعِنَبِ، وَنَبِيذِ التِّينِ، وَالْعَسَلِ، وَالْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ، وَغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا لَا تَحَاشَ شَيْئًا -: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ نَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ نا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْعَطَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute