للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي الظُّلْمِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُفْسِدُوا صَفْقَةَ مُسْلِمٍ بِتَوَهُّمِكُمْ: أَنَّهُ أَرَادَ الْبَاطِلَ، وَهُوَ لَمْ يُخْبِرْكُمْ ذَلِكَ فَقَطْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا ظَهَرَ مِنْ فِعْلِهِ إلَّا الْحَلَالُ الْمُطْلَقُ.

وَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَشْتَرِي تَمْرًا أَوْ تِينًا أَوْ عِنَبًا أَنْ تَفْسَخُوا صَفْقَتَهُ وَتَقُولُوا لَهُ: إنَّمَا تَنْوِي فِيهِ عَمَلَ الْخَمْرِ مِنْهُ، وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا أَنْ تَفْسَخُوهُ وَتَقُولُوا: إنَّمَا تُرِيدُ تَلْبَسُهُ فِي الْمَعَاصِي.

وَمَنْ اشْتَرَى سَيْفًا أَنْ تَفْسَخُوا وَتَقُولُوا: إنَّمَا تُرِيدُ بِهِ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا هَوَسٌ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَبَيْنَ مَا أَفْسَدْتُمْ بِهِ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَأْتِي بِالدَّرَاهِمِ السُّودِ الْجِيَادِ، وَبِالنُّفَايَةِ: يَأْخُذُ بِوَزْنِهَا غَلَّةً.

قَالَ عَلِيٌّ: السُّودُ أَجْوَدُ مِنْ الْغَلَّةِ، وَالنُّفَايَةُ أَدْنَى مِنْ الْغَلَّةِ وَهَذَا نَفْسُ مَسْأَلَتِنَا.

[مَسْأَلَة صارف آخِر دَنَانِير بِدَرَاهِم فعجز عَنْ تَمَام مُرَاده]

١٤٩٩ - مَسْأَلَةٌ:

وَمَنْ صَارَفَ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِم فَعَجَزَ عَنْ تَمَامِ مُرَادِهِ فَاسْتَقْرَضَ مِنْ مَصَارِفِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مَا أَتَمَّ بِهِ صَرْفَهُ فَحَسَنٌ، مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ فِي الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ هَذَا قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ.

[مَسْأَلَة بَاعَ مِنْ آخِر دَنَانِير بِدَرَاهِم ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بتلك الدَّرَاهِم دَنَانِير]

١٥٠٠ - مَسْأَلَةٌ:

وَمَنْ بَاعَ مِنْ آخَرَ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ فَلَمَّا تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَيُّرِ اشْتَرَى مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ تِلْكَ، أَوْ غَيْرِهَا أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عَقْدٌ صَحِيحٌ، وَعَمَلٌ مَنْصُوصٌ عَلَى جَوَازِهِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فَحَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.

وَمَنَعَ مِنْ هَذَا قَوْمٌ وَقَالُوا: إنَّهُ بَاعَ مِنْهُ دَنَانِيرَ بِدَنَانِيرَ مُتَفَاضِلَةً؟ فَقُلْنَا: هَذَا كَذِبٌ، وَمَا فَعَلَ قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُمَا صَفْقَتَانِ، وَلَكِنْ أَخْبِرُونَا: هَلْ لَهُ أَنْ يُصَارِفَهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ وَتِلْكَ الدَّنَانِيرِ عَنْ غَيْرِ شَرْطٍ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: فَأَجَزْتُمْ التَّفَاضُلَ وَالنَّسِيئَةَ مَعًا وَمَنَعْتُمْ مِنْ النَّقْدِ، هَذَا عَجَبٌ لَا نَظِيرَ لَهُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا الْأَمْرَ بِبَيْعِ التَّمْرِ الْجَمْعِ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ يَبْتَاعُ بِالسِّلْعَةِ جَنِيبًا مِنْ التَّمْرِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَنَعُوا نَفْسَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>