قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ أَنَّ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عَلَى عُدُولٍ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمْ: نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكَذَا وَكَذَا، مِثْلَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِمْ أَوْ شَيْئًا آخَرَ؟ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى شَهَادَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ أَصْلًا - وَوَجَبَ إنْفَاذُ الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَةِ السَّابِقَيْنِ إلَى الشَّهَادَةِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمْ بِمَا ذَكَرْنَا قَدْ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُمْ، وَصَحَّتْ جَرْحَتُهُمْ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ عَلَيْهِمْ بِمَا شَهِدَا بِهِ، مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ، أَوْ بَعْضُ الْمَعَاصِي الَّتِي لَا تُوجِبُ حَدًّا، كَالْغَصْبِ، وَغَيْرِهِ: فَهُوَ مُجَرَّحٌ فَاسِقٌ بِيَقِينٍ، وَلَا شَهَادَةَ لِمُجَرَّحٍ فَاسِقٍ أَصْلًا.
فَلَوْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِمْ صَحَّتْ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْهُمْ: وَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ تَعُودَ عَدَالَتُهُمْ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ مَعًا مَقْبُولَتَانِ، وَيَنْفُذُ عَلَى كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهَا الْأُخْرَى، إلَّا أَنَّ كِلْتَا الشَّهَادَتَيْنِ شَهَادَةٌ وَاجِبَةٌ قَبُولُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فِي أَمْرِهِ تَعَالَى بِالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ شَهِدَتْ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعًا لَمْ تَسْبِقْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ الْأُخْرَى: إمَّا عِنْدَ حَاكِمَيْنِ، وَإِمَّا فِي عَقْدَيْنِ عِنْدَ حَاكِمٍ وَاحِدٍ، فَهُمَا أَيْضًا شَهَادَتَانِ قَائِمَتَانِ صَحِيحَتَانِ، فَإِنَّ كِلْتَا الشَّهَادَتَيْنِ تَبْطُلُ بِيَقِينٍ لَا شَكٍّ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى، فَلَوْ قَبِلْنَاهُمَا مَعًا، لَكُنَّا قَدْ صِرْنَا مُوقِنِينَ بِأَنَّنَا نُنَفِّذُ الشَّهَادَةَ الْآنَ دَأْبًا حُكْمًا بِشَهَادَةِ فُسَّاقٍ، لِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ مِنْهُمَا تُوجِبُ الْفِسْقَ وَالْجُرْحَةَ عَلَى الْأُخْرَى، وَالْمَنْعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْأُخْرَى.
وَلَوْ حَكَمْنَا بِإِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مُطَارَفَةً لَكَانَ هَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، إذْ لَمْ يُوجِبْ تَرْجِيحَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُرَجِّحَ الشَّهَادَةَ هَاهُنَا بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا عَدَدًا: فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَجُوزُ.
[مَسْأَلَة الشَّهَادَة فِي الْحَدّ بَعْد حين]
٢١٧٩ - مَسْأَلَةٌ: مَنْ شَهِدَ فِي حَدٍّ بَعْدَ حِينٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ثَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute