للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْلًا، وَلَا سَرَقَ شَيْئًا يَحِلُّ إبْقَاؤُهُ جُمْلَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَالْوَاجِبُ هَرْقُهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ لِمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْخَنَازِيرِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَأَمَّا مَنْ سَرَقَ مَيْتَةً، فَإِنَّ فِيهَا الْقَطْعَ؛ لِأَنَّ جِلْدَهَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا، بِدَبْغِهِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَبِيعُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ؟ أَوْجَبْتُمْ الْقَطْعَ فِي الْمَيْتَةِ مِنْ أَجْلِ جِلْدِهَا، وَلَمْ تُوجِبُوا الْقَطْعَ فِي الْخِنْزِيرِ؟ فَهَلَّا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِ جِلْدِهِ، وَجِلْدُهُ وَجِلْدُ سَائِرِ الْمَيْتَاتِ سَوَاءٌ - فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَبَيْعِهِ - إذَا دُبِغَ؟ فَجَوَابُنَا: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وَهُوَ أَنَّ الْمَيْتَةَ كَانَتْ فِي حَيَاتِهَا مُتَمَلَّكَةٌ لِصَاحِبِهَا بِأَسْرِهَا، فَلَمَّا مَاتَتْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ لَحْمِهَا، وَشَحْمِهَا، وَدَمِهَا؛ وَمِعَاهَا، وَفَرْثِهَا، وَدِمَاغِهَا، وَغَضَارِيفِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا حَرَامٌ مُطْلَقُ التَّحْرِيمِ، وَبَقِيَ مِلْكُهُ كَمَا كَانَ، عَلَى مَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ مِنْهَا، وَهُوَ الْجِلْدُ، وَالشَّعْرُ، وَالصُّوفُ، وَالْوَبَرُ، وَالْعَظْمُ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، إلَّا بِإِبَاحَتِهِ إيَّاهُ لِإِنْسَانِ بِعَيْنِهِ، أَوْ لِمَنْ أَخَذَهُ وَيَعْلَمُ ذَلِكَ بِطَرْحِهِ الْجَمِيعَ، وَتَبَرِّيهِ مِنْهُ، فَهُوَ مَا لَمْ يَطْرَحْهُ مَالِكٌ لِذَلِكَ، فَإِنْ سَرَقَ فَإِنَّمَا سَرَقَ شَيْئًا مُتَمَلَّكًا، مِلْكًا صَحِيحًا، وَمَالٌ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، فَالْقَطْعُ فِيهِ.

وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ رِجْسٌ مُحَرَّمٌ جُمْلَةً فَمَنْ سَرَقَهُ حَيًّا، أَوْ مَيِّتًا، فَإِنَّمَا أَخَذَ مَالًا لَا مَالِكَ لَهُ، وَمَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُهُ فَجِلْدُهُ لِمَنْ بَادَرَ إلَيْهِ، وَأَخَذَهُ، وَدَبَغَهُ، فَإِذَا دُبِغَ صَارَ حِينَئِذٍ مِلْكًا مِنْ مَالٍ مُتَمَلَّكِهِ، مَنْ سَرَقَهُ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْقَطْعُ، وَالْقَطْعُ وَاجِبٌ فِي عِظَامِ الْفِيلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالْمَيْتَاتُ كُلُّهَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» حَاشَ عَظْمِ الْخِنْزِيرِ، وَشَعْرِهِ، وَكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ حَرَامٌ جُمْلَةً، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تَمَلُّكُ شَيْءٍ مِنْهُ، إلَّا الْجِلْدَ فَقَطْ بِالدِّبَاغِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؛

[مَسْأَلَة فِيمَنْ سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا]

٢٢٧٦ - مَسْأَلَةٌ: فِيمَنْ سَرَقَ حُرًّا صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:

<<  <  ج: ص:  >  >>