وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُجْزِي إلَّا مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ - وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ - وَاخْتَلَفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا، وَلَا يُجْزِئُ عِنْدَهُ عِمَامَةٌ فَقَطْ، وَقَالُوا: لَوْ أَنَّ إنْسَانًا لَمْ يَلْبَسْ إلَّا عِمَامَةً فَقَطْ، لَقَالَ النَّاسُ: هَذَا عُرْيَانُ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ لَنَا: اُكْسُوهُمْ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِمْ بِهِ اسْمُ عُرْيَانَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .
وَلَوْ أَنَّ امْرَأً لَبِسَ قَمِيصًا، وَسَرَاوِيلَ فِي الشِّتَاءِ لَقَالَ النَّاسُ: هَذَا عُرْيَانُ - وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ وَهِيَ كِسْوَةٌ ثُمَّ يَقُولُ: لَوْ كَسَاهُمْ ثَوْبًا وَاحِدًا يُسَاوِي عَشْرَةَ أَثْوَابٍ، أَوْ أَعْطَاهُمْ بَغْلَةً، أَوْ حِمَارَةً تُسَاوِي عَشْرَةَ أَثْوَابٍ أَجْزَأَهُ -: ثُمَّ تَدَبَّرْنَا هَذَا -: فَرَأَيْنَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْكِسْوَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُنَافِيَةٌ لِلْعُرْيِ، إذْ مُمْتَنَعٌ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ كَاسِيًا عَارِيًّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ يَكُونُ كَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ كَاسِيًا، وَبَعْضُهُ عَارِيًّا أَوْ يَكُونُ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ تَعُمُّهُ، وَلَا تَسْتُرُ بَشَرَتَهُ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ» فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْكِسْوَةَ لَا يَكُونُ مَعَهَا عُرْيٌ إذَا كَانَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَطْلَقَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْهَا بِإِضَافَةٍ.
وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ كِسْوَةٌ سَابِغَةٌ إلَّا أَنَّ رَأْسَهُ عَارٍ أَوْ ظَهْرَهُ أَوْ عَوْرَتَهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى كَاسِيًا، وَلَا مُكْتَسِيًا إلَّا بِإِضَافَةٍ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنْ لَا تَكُونَ الْكِسْوَةُ إلَّا عَامَّةً لِجَمِيعِ الْجِسْمِ، سَاتِرَةً لَهُ عَنْ الْعُيُونِ، مَانِعَةً مِنْ الْبَرْدِ، لِأَنَّهُ بِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي " كَانُونَ الْأَوَّلِ " مُغَطًّى بِرِدَاءِ قَصَبٍ فَقَطْ: أَنَّهُ لَا يُسَمِّيهِ أَحَدٌ كَاسِيًا، بَلْ هُوَ عُرْيَانُ.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ كِسْوَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِطْعَامُهُمْ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
١١٨٦ - مَسْأَلَةٌ
وَيُجْزِئُ كِسْوَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِطْعَامُهُمْ إذَا كَانُوا مَسَاكِينَ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ هَهُنَا نَصٌّ بِتَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ فِي الزَّكَاةِ: أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ.
[مَسْأَلَةٌ الصَّوْم الْمُتَفَرِّقُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ]
١١٨٧ - مَسْأَلَةٌ
وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ لِلثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ مُتَفَرِّقَةٍ إنْ شَاءَ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute