وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ: حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، لَا لِلْمَقْذُوفِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَأَخْذُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ - قَامَ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ -؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِجَلْدِ الْقَاذِفِ ثَمَانِينَ، لَمْ يَشْتَرِطْ بِهِ قَائِمًا مِنْ النَّاسِ دُونَ غَيْرِهِ، فَكَانَ تَخْصِيصُ مَنْ خَصَّ بَعْضَ الْقَائِمِينَ بِهِ دُونَ بَعْضٍ قَوْلًا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهُوَ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ لَهُمْ، مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ بِهِ، وَلَا لَهُ حُجَّةٌ أَصْلًا - لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ.
وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَعْنًى - وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الْجَدِّ إذَا قَذَفَ وَلَدَ الْوَلَدِ، كَالْحُكْمِ فِي قَاذِفِ الْأَبَوَيْنِ الْأَدْنَيْنِ. وَالْعَجَبُ بِأَنَّ الْحَنَفِيِّينَ قَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ حُكْمِ الْوَلَدِ وَبَيْنَ حُكْمِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْمُرْتَدِّ، فَجَعَلُوا وَلَدَ الْمُرْتَدِّ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ، وَجَعَلُوا وَلَدَ وَلَدِهِ لَا يُجْبَرُ وَلَا يُقْتَلُ. وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ، بَيْنَ الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ - وَبَيْنَ الْجَدِّ - فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ التَّنَاقُضُ هَاهُنَا؟ فَسَوَّوْا بَيْنَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَبَيْنَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ؟ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا نَظِيرَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَة نَازَعَ آخَرَ فَقَالَ لَهُ الْكَاذِبُ بَيْنِي وَبَيْنَك ابْنُ زَانِيَةٍ]
٢٢٤٨ - مَسْأَلَةٌ: مَنْ نَازَعَ آخَرَ، فَقَالَ لَهُ: الْكَاذِبُ بَيْنِي وَبَيْنَك ابْنُ زَانِيَةٍ أَوْ قَالَ: وَلَدُ زِنًا، أَوْ زَنِيمٌ، أَوْ زَانٍ - فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مُبْتَدِئًا قَبْلَ أَنْ يُنَازِعَهُ الْآخَرُ فَلَا حَدَّ عَلَى الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ بَعْدُ أَحَدًا، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ الْمُنَازِعَ لَهُ كَاذِبٌ عِنْدَهُ بِلَا شَكٍّ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: مَنْ حَضَرَ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ فَهُوَ ابْنُ زَانِيَةٍ وَقَدْ كَانَ حَضَرَ مِنْ هُنَالِكَ أَحَدٌ: فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُ بِلَا شَكٍّ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ - فَلَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَأْنَفِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَفَظَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، أَوْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَصِيرَ قَاذِفًا - وَهُوَ سَاكِتٌ - بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا إذَا نَطَقَ - وَهَذَا بَاطِلٌ، لَا خَفَاءَ بِهِ - بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute