لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ شَرْعُ هَدْيٍ، وَلَا إيجَابُ صِيَامٍ، وَلَا إلْزَامُ غَرَامَةِ إطْعَامٍ، وَلَا صَدَقَةٍ، إلَّا بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ؛ وَهَذَا مِمَّا تَرَكَتْ فِيهِ الطَّوَائِفُ الْمَذْكُورَةُ الْقِيَاسَ.
فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ قَاسَا إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي شَجَرِ الْحَرَمِ عَلَى إيجَابِ الْجَزَاءِ فِي صَيْدِهِ وَلَمْ يَقِيسَا إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ عَلَى إيجَابِهِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ وَكِلَاهُمَا حَرَمٌ مُحَرَّمٌ صَيْدُهُ.
وَقَاسَ مَالِكٌ إيجَابَ الْفِدْيَةِ عَلَى اللَّابِسِ وَالْمُتَطَيِّبِ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى حَالِقِ رَأْسِهِ، وَلَمْ يَقِسْ إيجَابَ الْجَزَاءِ فِي شَجَرِ حَرَمِ مَكَّةَ، وَفِي صَيْدِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ عَلَى وُجُوبِهِ فِي صَيْدِ حَرَمِ مَكَّةَ.
وَكُلُّ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ لَا وَجْهَ لَهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ سفك الدِّمَاء فِي الْحَرَمِ]
٨٩٨ - مَسْأَلَةٌ:
وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُسْفَكَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ دَمٌ بِقِصَاصٍ أَصْلًا، وَلَا أَنْ يُقَامَ فِيهَا حَدٌّ، وَلَا يُسْجَنَ فِيهَا أَحَدٌ، فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أُخْرِجَ عَنْ الْحَرَمِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يُسْفَكَ بِهَا دَمٌ، وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧] وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَاصِي مِنْهُ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥] فَتَطْهِيرُهُ مِنْ الْعُصَاةِ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَلَا يُسَمَّى ذَبْحُ الْحَيَوَانِ الْمُتَمَلَّكِ وَلَا الْحِجَامَةُ، وَلَا فَتْحُ الْعِرْقِ: سَفْكَ دَمٍ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ - وَكَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا - قَالَ: سَمِعْت طَاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَنْ أَصَابَ حَدًّا، ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ لَمْ يُجَالَسْ وَلَمْ يُبَايَعْ - وَذَكَرَ كَلَامًا - وَفِيهِ: فَإِذَا خَرَجَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ - وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ - وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute