فَضِيلَةٌ لَهُمْ بِنَصِّ الْخَبَرِ، وَمَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ.
وَأَمَّا الْمُصِرُّ عَلَى الْمَعَاصِي فَلَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُمْ؟ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ» .
فَصَحَّ أَنَّ الْمُصِرَّ الْآثِمَ بِإِصْرَارِهِ هُوَ الَّذِي عَمِلَ السَّيِّئَةَ ثُمَّ أَصَرَّ عَلَيْهَا - فَهَذَا جَمَعَ نِيَّةَ السُّوءِ وَالْعَمَلَ السُّوءَ مَعًا.
وَأَمَّا مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فِي نَفْسِهِ فَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الظَّنِّ السُّوءِ، وَهَذَا ظَنُّ سُوءٍ، فَخَرَجَ عَمَّا عُفِيَ عَنْهُ بِالنَّصِّ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيُخَالِفُ النَّصَّ الثَّابِتَ فِي عَفْوِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ عَدَاوَةَ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ بِعَمَلٍ وَلَا بِكَلَامٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِغْضَةٌ وَالْبِغْضَةُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ الْمَرْءُ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ نَفْسِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِمُوَالَاةِ الْمُسْلِمِ وَمَحَبَّتِهِ، فَتَعَدَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلِذَلِكَ أَثِمَ.
وَهَكَذَا الرِّيَاءُ وَالْعَجْبُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بِإِلْزَامِ طَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ رَجْعَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ بِالنَّفْسِ، لَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنَّهُ كُلُّهُ لَغْوٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الطَّلَاقِ لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ]
١٩٦٠ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الطَّلَاقِ، لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ؟ فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَكِنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] .
وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» فَصَحَّ أَنْ لَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ وَلَا نِيَّةَ إلَّا بِعَمَلٍ.
وَأَمَّا إذَا قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ حَقٌّ قَدْ ثَبَتَ، وَهُوَ فِي قَوْلِهِ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ، مُدَّعٍ بُطْلَانَ ذَلِكَ الْحَقِّ الثَّابِتِ، فَدَعْوَاهُ بَاطِلٌ -.