وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَضْمِينِ الْعَارِيَّةِ تَوَسَّطْنَا قَوْلَهُمْ قُلْنَا لَهُمْ: وَمِنْ هَذَا سَأَلْنَاكُمْ مِنْ أَيْنَ فَعَلْتُمْ هَذَا؟ وَمِلْتُمْ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ الْفَاسِدِ - وَلَا سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرَ الْمُغِلِّ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرَ الْمُغِلِّ، فَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: سَمِعْت هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالَ: الْمُغِلُّ: الْمُتَّهَمُ - وَهُوَ يَبْطُلُ بِمَا بَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى التُّهْمَةِ، وَهُوَ ظَنٌّ فَاسِدٌ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ الْمُجِيزِينَ لِلشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ بِالْخَبَرِ الْمَكْذُوبِ «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ قَتَادَةَ هَاهُنَا، وَلَكِنْ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّنَاقُضِ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ ضَمِنَهَا جُمْلَةً، أَوْ قَوْلُنَا -: فَنَظَّرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ ضَمِنَهَا جُمْلَةً.
فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا ابْنُ عُيَيْنَةَ - هُوَ سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَا جَمِيعًا: الْعَارِيَّةُ تُغْرَمُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْمَنُ الْعَارِيَّةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي قَضِيَّةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ.
وَكَانَ شُرَيْحٌ يُضَمِّنُ الْعَارِيَّةَ، وَضَمَّنَهَا الْحَسَنُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَصَحَّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَيْضًا، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute