وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: ١٢] . فَكَانَ هَاتَانِ الْآيَتَانِ نَصًّا جَلِيًّا لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا فِي بَيَانِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُقَاتَلُونَ وَيُقْتَلُونَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَعَلَى أَنَّهُمْ إذَا عُوهِدُوا وَتَمَّ عَهْدُهُمْ، وَطَعَنُوا فِي دِينِنَا فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ، وَنَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ، وَعَادَ حُكْمُ قِتَالِهِمْ كَمَا كَانَ.
وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ نَدْرِي أَنَّهُمْ إنْ أَعْلَنُوا سَبَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوْ شَيْءٍ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، أَوْ مُسْلِمٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ، فَقَدْ فَارَقُوا الصَّغَارَ، بَلْ قَدْ أَصْغَرُونَا، وَأَذَلُّونَا، وَطَعَنُوا فِي دِينِنَا، فَنَكَثُوا بِذَلِكَ عَهْدَهُمْ، وَنَقَضُوا ذِمَّتَهُمْ - وَإِذَا نَقَضُوا ذِمَّتَهُمْ فَقَدْ حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ، وَسَبْيُهُمْ، وَأَمْوَالُهُمْ بِلَا شَكٍّ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَسَمُّ الْيَهُودِيَّةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِلَا شَكٍّ وَهُوَ قَبْلَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ " بِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ.
وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي قَوْلِ أُولَئِكَ الْيَهُودِ: السَّامُ عَلَيْك لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَفِي سِحْرِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ إيَّاهُ وَأَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ لَا يُثَبِّتَ عَهْدَ الذِّمِّيِّ إلَّا عَلَى الصِّغَارِ، وَأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إذْ كَانَتْ الْمُهَادَنَةُ جَائِزَةً لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ " السَّامِ، وَالسِّحْرِ " هُوَ مَعْنَى حَدِيثِ سَمِّ الشَّاةِ سَوَاءً سَوَاءً، وَحَدِيثُ سَمِّ الشَّاةِ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ بِمَا فِي " سُورَةِ بَرَاءَةَ " مِنْ أَنْ لَا يُقَرُّوا إلَّا عَلَى الصِّغَارِ فَحَدِيثُ " السَّامِ، وَالسِّحْرِ " بِلَا شَكٍّ مَنْسُوخَانِ، بَلْ الْيَقِينُ قَدْ صَحَّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا مَنْسُوخٌ وَلَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ، وَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَا بَعْدَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ "؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْسَخَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا بِيَقِينٍ، ثُمَّ يَنْسَخَ النَّاسِخَ وَيُعِيدَ حُكْمَ الْمَنْسُوخِ وَلَا يَصْحَبَهُ مِنْ الْبَيَانِ مَا يَرْفَعُ الشَّكَّ، وَيَرْفَعُ الظَّنَّ، وَيُبْطِلُ الْإِشْكَالَ - هَذَا أَمْرٌ قَدْ أَمِنَّاهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقُولُونَ هَذَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ مَنْ سَمَّ الْيَوْمَ طَعَامًا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ وَإِنَّ مَنْ سَحَرَ مُسْلِمًا فَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ لَنَا الْيَوْمَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِمْ فَمَا نَرَاكُمْ تَحْكُمُونَ إلَّا بِمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؟ فَجَوَابُنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - أَنَّنَا لَمْ نَقُلْ إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ نُسِخَ مِنْهَا إلَّا مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute