هَدْرٌ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «الْعَجْمَاءَ جُرْحُهَا جُبَارٌ» إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَعْدَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِإِيثَاقِ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَغْرَمَ مَا حَرَجَ بِالنَّاسِ - فَأَمَّا مَا أُصِيبَ بِهِ الدَّابَّةُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ يَتَقَدَّمُ إلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ عَلَى مَنْ أَصَابَهَا غُرْمُ مَا أَصَابَهَا بِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: فِيمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا فِي دَارِ الْبَادِيَةِ فَعَقَرَ ذَلِكَ الْكَلْبُ إنْسَانًا: إنَّهُ إنْ اقْتَنَاهُ - وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ يَفْتَرِسُ النَّاسَ فَعَقَرَهُمْ - فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا فَرَسَ الْكَلْبُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ - فَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ - مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ فَمَعْنَاهَا صَحِيحٌ - وَبِهِ نَأْخُذُ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَا أَمَرَ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَالدَّابَّةُ إذَا نَفَرَتْ فَلَيْسَ لِلَّذِي نَفَرَتْ مِنْهُ ذَنْبٌ؟ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفَّرَهَا عَامِدًا: فَإِنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ فِيمَا قَتَلَتْ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ تَطَأَ الَّذِي أَصَابَتْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ ذَلِكَ فَهُوَ قَاتِلٌ خَطَأً، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، وَيَضْمَنُ الْمَالَ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ، إذَا تَعَمَّدَ تَنْفِيرَهَا، لِأَنَّهُ الْمُحَرِّكُ لَهَا.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ - فَصَحِيحٌ كُلُّهُ، لِأَنَّ جُرْحَ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ لَمْ يَتَعَمَّدْ إشْلَاءَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ «إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فِي ذَلِكَ» فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَتَقَدُّمُ السُّلْطَانِ لَا يُوجِبُ غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا السُّلْطَانُ مُنَفِّذٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَقَطْ، وَلَيْسَ شَارِعًا شَرِيعَةً.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عِلْمُ الْمُقْتَنِي لِلْكَلْبِ بِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ النَّاسَ بِمُوجِبٍ عَلَيْهِ غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا الْقُرْآنُ وَلَا السُّنَّةُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِاقْتِنَائِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا فِي الَّذِي أَتْلَفَهُ الْكَلْبُ.
وَهَكَذَا مَنْ آوَى رَجُلًا قَتَّالًا مُحَارِبًا فَجَنَى جِنَايَةً، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِإِيوَائِهِ إيَّاهُ فَلَيْسَ مُبَاشِرًا عُدْوَانًا فِي الْمُصَابِ.
وَكُلُّ هَذَا بَابٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ قِيَاسًا، وَلَكِنَّ خُصُومَنَا يَقُولُونَ بِقَوْلِهِ وَيُخَالِفُونَهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute