قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرُ سُوءٍ مَكْذُوبٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ وَاقِدٍ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ: عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ، وَقَدْ تَرَكَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُوسَى هَذَا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْرَابًا حُفَاةً فَجِئْنَا نَحْنُ أَبْنَاءَ فَارِسٍ فَلَخَّصْنَا هَذَا الدِّينَ - فَانْظُرُوا بِمَنْ يَحْتَجُّونَ عَلَى السُّنَنِ الثَّابِتَةِ.
ثُمَّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُنَادَةَ - وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ جُنَادَةَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الَّذِي وَجَدَ الرِّكَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِجَمِيعِهِ دُونَ طِيبِ نَفْسِ إمَامِهِ.
ثُمَّ نَقُولُ لِلْمُحْتَجِّ بِهَذَا الْخَبَرِ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ الْإِمَامِ لِبَعْضِ الْجَيْشِ بِسَهْمِهِمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَيَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقَّهُمْ؟ إنَّ هَذَا لَعَجِيبٌ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا؛ فَصَارُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِمَا حَقَّقُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ، وَهَذَا فِعْلُ مِنْ لَا وَرَعَ لَهُ.
وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ غَالِبِ بْنِ حَجْرَةَ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ الْمِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِ عَنْ أَبِيهَا [عَنْ أَبِيهِ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى بِمَوْلًى فَلَهُ سَلَبُهُ» قَالُوا: فَقُولُوا بِهَذَا أَيْضًا ".
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا إنَّمَا يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحِمْصِيِّ لَا صَدَاقَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَمَنْ يَقُولُ بِحَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فِي إبَاحَةِ الْوُضُوءِ بِالْخَمْرِ، وَتِلْكَ النَّطَائِحُ وَالْمُتَرَدِّيَاتُ. فَهَذَا الْخَبَرُ مُضَافٌ إلَى تِلْكَ.
وَأَمَّا مَنْ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِمَا رَوَى الثِّقَةُ عَنْ الثِّقَةِ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ بِمَا رَوَاهُ غَالِبُ بْنُ حَجْرَةَ الْمَجْهُولُ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ الْمِلْقَامِ الَّتِي لَا يُدْرَى مَنْ هِيَ؟ عَنْ أَبِيهَا الَّذِي لَا يُعْرَفُ، وَالْقَوْمُ فِي عَمًى نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِمَّا ابْتَلَاهُمْ بِهِ، وَتَاللَّهِ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نَجِدْ فِي أَنْفُسِنَا حَرَجًا مِنْهُ.
فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْأَنْفَالِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُنْفِلُ الرَّجُلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَلَبَ الْكَافِرِ إذَا قَتَلَهُ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدَّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: ١] أَيْ لِيَرُدَّنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute