للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ - بِمَا حَكَمُوا أَوْ أَقَامُوا مَنْ حَدٍّ، أَوْ أَخَذُوا مِنْ مَالِ صَدَقَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا - بِحَقٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ - وَلَا فَرْقَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، وَذَلِكَ أَنَّنَا نَسْأَلُهُمْ، فَنَقُولُ لَهُمْ: مَاذَا تَقُولُونَ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ حَاضِرًا مُمَكَّنًا عَدْلًا، أَيَحِلُّ أَنْ يَأْخُذَ صَدَقَةً دُونَهُ، أَوْ يُقِيمَ حَدًّا دُونَهُ، أَوْ يَحْكُمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ دُونَهُ، أَمْ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ: خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ، وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ، وَأَبْطَلُوا الْأَمَانَةَ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَوْجَبُوا أَنْ لَا حَاجَةَ بِالنَّاسِ إلَى إمَامٍ - وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ لَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا دَامَ الْإِمَامُ قَائِمًا فَقَدْ صَحَّ أَنْ لَا يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا إلَّا مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْحُكْمَ، وَلَا أَنْ يَكُونَ آخِذًا لِلْحُدُودِ إلَّا مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا إلَّا مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ أَخْذَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَقَامَ - حَدًّا، أَوْ أَخَذَ صَدَقَةً، أَوْ قَضَى قَضِيَّةً، وَلَيْسَ مِمَّنْ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ بِتَقْدِيمِ الْإِمَامِ، فَلَمْ يَحْكُمْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا أَقَامَ الْحَدَّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِحَقٍّ، فَإِنَّمَا فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ، وَإِذْ فَعَلَهُ بِبَاطِلٍ فَقَدْ تَعَدَّى؛ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَإِذْ هُوَ ظُلْمٌ، فَالظُّلْمُ لَا حُكْمَ لَهُ إلَّا رَدُّهُ وَنَقْضُهُ فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةً فَعَلَيْهِ رَدُّهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَخَذَ، إلَّا أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ فَإِذَا أَوْصَلَهَا إلَيْهِمْ فَقَدْ تَأَدَّتْ الزَّكَاةُ إلَى أَهْلِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ حَدٍّ أَقَامُوهُ فَهُوَ مَظْلَمَةٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَتُعَادُ الْحُدُودُ ثَانِيَةً وَلَا بُدَّ، وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ مَالِ مَنْ قَتَلُوهُ قَوَدًا، وَأَنْ يُفْسَخَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمُوهُ وَلَا بُدَّ.

وَيُبَيِّنُ مَا قُلْنَاهُ نَصًّا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ: نا مُحَمَّدُ بْنُ نُمَيْرٍ نا عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ إدْرِيسَ - نا ابْنُ عِجْلَانَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>