للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَدْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَإِنَّهُ يُهِلُّ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ، وَحَجُّهُ تَامٌّ وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ.

فَصَحَّ أَنَّ الْقَصْدَ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ بَلَدِ الْإِنْسَانِ، أَوْ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ، أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ، وَلَا الْعُمْرَةِ - فَبَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الْفَاسِدَةُ جِدًّا، وَكَانَ تَعَارُضُهَا وَتَوَافُقُهَا بُرْهَانًا فِي فَسَادِ جَمِيعِهَا، فَإِنْ قَالَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَتُّعُ؟ قُلْنَا لَهُ: قَدْ قُلْتَ الْبَاطِلَ، وَاحْتَجَجْت لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، وَلِدَعْوَى كَاذِبَةٍ، وَكَفَى بِهَذَا مَقْتًا.

فَإِنْ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لَا هَدْيَ عَلَيْهِمْ وَلَا صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ؟ قُلْنَا: قُلْت الْبَاطِلَ وَادَّعَيْت مَا لَا يَصِحُّ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَك لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْك؛ لِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا هَدْيَ عَلَيْهِمْ، وَلَا صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقِيمُ بِهَا حَتَّى يَحُجَّ كَذَلِكَ، بَلْ الْهَدْيُ عَلَيْهِ، أَوْ الصَّوْمُ؛ فَهَلَّا إذْ كَانَ عِنْدَك مَنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ فَمَا دُونَهُ إلَى مَكَّةَ يَصِيرُ فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَلَيْهِ، جَعَلْت أَيْضًا الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَنْهُمَا - فَظَهَرَ تَنَاقُضُ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ أَيْضًا.

ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى مَكَان تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ: مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا؟ وَلَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَصْلًا.

فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ سَافَرَ إلَى الْحَجِّ؟ قُلْنَا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا الَّذِي جَعَلَ سَفَرَهُ مُسْقِطًا لِلْهَدْيِ، وَالصَّوْمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ؟ هَاتُوا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا غَلِطَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ فِي إيجَابِهِمْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ: أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>