مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَهُ حَتَّى نَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى بَيَانٍ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ، وَظَنٍّ كَاذِبٍ، وَتَدَافُعٍ مِنْ الْأَقْوَالِ بِلَا بُرْهَانٍ.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ: «وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ» بَيَانٌ بِإِبَاحَةِ الْمُهْلَةِ بَيْنَ الْإِحْلَالِ وَالْإِهْلَالِ؛ وَلَا مَانِعَ لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مِنْهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَاجَةٌ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ مَكَّةَ لَهَا - فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْ شُرُوطِ التَّمَتُّعِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
وَصَحَّ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِنَصِّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ الْأَشْهُرِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ اللَّذَانِ افْتَرَضَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَحَدَهُمَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؟ وَهَكَذَا يُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا؟ وَهَلَّا خَصَّصَتْ بِسُقُوطِ التَّمَتُّعِ مَنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ فَقَطْ؛ وَيُقَالُ لَهُمَا جَمِيعًا: هَلَّا قُلْتُمَا مَنْ خَرَجَ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؟ -: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ؟ فَنَقُولُ لِمَنْ قَالَ هَذَا: قُلْت الْبَاطِلَ، وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَطُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ وَلَا مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ وَلَا مِنْ مِيقَاتٍ وَلَا بُدَّ؛ بَلْ أَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الِاسْتِطَاعَةِ لِلْحَجِّ لَوْ خَرَجَ تَاجِرًا أَوْ مُسَافِرًا لِبَعْضِ الْأَمْرِ قَبْلَ مِقْدَارٍ مَا إنْ أَرَادَ الْحَجَّ كَانَتْ لَهُ مُهْلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْتِ الَّذِي إذَا أَهَلَّ [فِيهِ] أَدْرَكَ الْحَجَّ عَلَى سَعَةٍ وَمَهْلٍ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى مَكَّةَ حِينَئِذٍ أَصْلًا، وَأَنَّهُ إنْ قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِحَاجَتِهِ فَقَرُبَ وَقْتُ الْحَجِّ وَهُوَ بِمُسْتَطِيعٍ لَهُ فَحَجَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَتَمِّ مَا يَلْزَمُهُ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَأْتِ لِلْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَصْلًا.
وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيمَنْ جَازَ عَلَى مِيقَاتٍ لَا يُرِيدُ حَجًّا، وَلَا عُمْرَةً، وَلَا دُخُولَ مَكَّةَ لَكِنْ لِحَاجَةٍ لَهُ فِي رِهَاطٍ أَوْ فِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِهْلَالُ مِنْ هُنَالِكَ، وَأَنَّهُ إنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute