للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْحِبْرِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مَعَ عَفْصٍ وَزَاجٍ، وَفِي الْأَمْرَاقِ؛ لِأَنَّهَا مَاءٌ وَزَيْتٌ وَخَلٌّ، أَوْ مَاءٌ وَزَيْتٌ وَمَرِيٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فِي كُلِّ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَبْعَدُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حُجَّةٌ. أَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حِينَ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ خَارِجَ مَكَّةَ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُ بِتَخْصِيصِ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ خَارِجَ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى؟ وَهَذَا خِلَافٌ لِمَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ لَا يَرَى التَّيَمُّمَ فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ الْقَرْيَةِ، وَلَا قَصْرَ الصَّلَاةِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَحَدَ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا فَصَاعِدًا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى دَلِيلٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا وَدَلِيلُهُ فِي ذَلِكَ جَارٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي الَّذِي قَاسَ فِيهِ جَمِيعَ الْأَنْبِذَةِ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ، فَهَلَّا قَاسَ أَيْضًا دَاخِلَ الْقَرْيَةِ عَلَى خَارِجِهَا وَمَا الْمُجِيزُ لَهُ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ وَالْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْآخَرِ؟ لَا سِيَّمَا مَعَ مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِهِ «تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» فَإِذْ هُوَ مَاءٌ طَهُورٌ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ غَيْرِهِ، وَكِلَاهُمَا مَاءٌ طَهُورٌ؟ وَهَذَا مَا لَا انْفِكَاكَ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ لَا يُجِيزُهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَلْيُجِزْهُ لِلْمَرِيضِ فِي الْحَضَرِ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ.

وَأَمَّا فِعْلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَوْلُ عَلِيٍّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ مَعَ وُجُودِ مَاءِ الْبَحْرِ، وَلَا يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ وَإِنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْقُرَى، وَلَيْسَ هَذَا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ، وَلَمْ يَخُصَّ عَلِيٌّ نَبِيذَ تَمْرٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَخُصُّهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَلَا أَمْقُتُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِمَّنْ يُنْكِرُ عَلَى مُخَالِفِهِ تَرْكَ قَوْلٍ هُوَ أَوَّلُ تَارِكٍ لَهُ وَلَا سِيَّمَا وَمُخَالِفُهُ لَا يَرَى ذَلِكَ الَّذِي تَرَكَ حُجَّةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] .

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ النَّبِيذَ مَاءٌ وَتَمْرٌ فَيَلْزَمُهُمْ هَذَا كَمَا قُلْنَا فِي الْأَمْرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَنْبِذَةِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ. فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعًا. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَفَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ جَائِزًا فَالتَّيَمُّمُ مَعَهُ فُضُولٌ. أَوْ لَا يَكُونَ الْوُضُوءُ بِهِ جَائِزًا فَاسْتِعْمَالُهُ فُضُولٌ. لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>